(حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) وهو الموت ، كما في قوله : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (١).
(فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) أي : شفاعة الملائكة والنبيين كما تنفع الصالحين (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) التذكرة : التذكير بمواعظ القرآن ، والفاء لترتيب إنكار إعراضهم عن التذكرة على ما قبله من موجبات الإقبال عليها ، وانتصاب معرضين على الحال من الضمير في متعلق الجارّ والمجرور ، أي : أيّ شيء حصل لهم حال كونهم معرضين عن القرآن الّذي هو مشتمل على التذكرة الكبرى والموعظة العظمى. ثم شبّههم في نفورهم عن القرآن بالحمر فقال : (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) والجملة حال من الضمير في معرضين على التداخل ، ومعنى مستنفرة : نافرة ، يقال : نفر واستنفر ، مثل عجب واستعجب ، والمراد : الحمر الوحشية. قرأ الجمهور : (مُسْتَنْفِرَةٌ) بكسر الفاء ، أي : نافرة ، وقرأ نافع وابن عامر بفتحها ، أي : منفرة مذعورة ، واختار القراءة الثانية أبو حاتم وأبو عبيد. قال في الكشاف : المستنفرة : الشديدة النفار كأنها تطلب النفار من نفوسها في جمعها له ، وحملها عليه (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) أي : من رماة يرمونها ، والقسور : الرامي ، وجمعه قسورة قاله سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وقتادة وابن كيسان ، وقيل : هو الأسد ، قاله عطاء والكلبي. قال ابن عرفة من القسر بمعنى القهر ؛ لأنه يقهر السباع ، وقيل : القسورة : أصوات الناس ، وقيل : القسورة بلسان العرب : الأسد ، وبلسان الحبشة : الرماة. وقال ابن الأعرابي : القسورة : أوّل الليل ، أي : فرّت من ظلمة الليل ، وبه قال عكرمة ، والأوّل أولى ، وكلّ شديد عند العرب فهو قسورة ، ومنه قول الشاعر :
يا بنت كوني خيرة لخيّره |
|
أخوالها الجنّ وأهل القسورة |
ومنه قول لبيد :
إذا ما هتفنا هتفة في نديّنا |
|
أتانا الرّجال العابدون القساور |
ومن إطلاقه على الأسد قول الشاعر :
مضمّر تحذره الأبطال |
|
كأنّه القسور الرّهال |
(بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) عطف على مقدر يقتضيه المقام ، كأنه قيل : لا يكتفون بتلك التذكرة بل يريد ... قال المفسرون : إن كفار قريش قالوا لمحمد صلىاللهعليهوسلم : ليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله أنك رسول الله. والصحف : الكتب ، واحدتها صحيفة ، والمنشرة : المنشورة المفتوحة ، ومثل هذه الآية قوله سبحانه : (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) (٢) قرأ الجمهور : (مُنَشَّرَةً) بالتشديد. وقرأ سعيد بن جبير بالتخفيف. وقرأ الجمهور : أيضا بضم الحاء من صحف. وقرأ سعيد بن جبير بإسكانها. ثم ردعهم الله سبحانه عن هذه المقالة وزجرهم فقال : (كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ
__________________
(١). الحجر : ٩٩.
(٢). الإسراء : ٩٣.