الْآخِرَةَ) يعني عذاب الآخرة ؛ لأنهم لو خافوا النار لما اقترحوا الآيات ، وقيل : كلّا بمعنى حقا. ثم كرّر الردع والزجر لهم فقال : (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ) يعني القرآن ؛ أو حقا إنه تذكرة ، والمعنى : أنه يتذكر به ويتعظ بمواعظه (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) أي : فمن شاء أن يتعظ به اتعظ ، ثم ردّ سبحانه المشيئة إلى نفسه فقال : (وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) قرأ الجمهور : (يَذْكُرُونَ) بالياء التحتية. وقرأ نافع ويعقوب بالفوقية ، واتفقوا على التخفيف ، وقوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال. قال مقاتل : إلا أن يشاء الله لهم الهدى (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى) أي : هو الحقيق بأن يتقيه المتقون بترك معاصيه والعمل بطاعاته (وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) أي : هو الحقيق بأن يغفر للمؤمنين ما فرط منهم من الذنوب ، والحقيق بأن يقبل توبة التائبين من العصاة فيغفر ذنوبهم.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) قال : مأخوذة بعملها. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله : (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) قال : هم المسلمون. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، عن عليّ بن أبي طالب (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) قال : هم أطفال المسلمين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) قال : الموت. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، عن أبي موسى الأشعري في قوله : (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال : هم الرماة رجال القسيّ. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال : القسورة : الرجال الرماة رجال القنص. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي حمزة قال : قلت لابن عباس : القسورة الأسد؟ فقال : ما أعلمه بلغة أحد من العرب الأسد! هم عصبة الرجال. وأخرج سفيان ابن عيينة وعبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس (مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال : هو ركز الناس ، يعني أصواتهم. وأخرج أحمد والدارمي ، والترمذي وحسنه ، والنسائي وابن ماجة والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدّي وصححه ، وابن مردويه عن أنس «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأ هذه الآية : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) فقال : قال ربكم أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله ، فمن اتقاني فلم يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له». وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس مرفوعا نحوه.
* * *