(وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) أي : وإذا رميت ببصرك هناك ، يعني في الجنة رأيت نعيما لا يوصف ، وملكا كبيرا لا يقادر قدره ، و «ثم» ظرف مكان ، والعامل فيها «رأيت». قال الفرّاء : في الكلام «ما» مضمرة ، أي : وإذا رأيت ما ثم ، كقوله : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) (١) أي : ما بينكم. قال الزجاج معترضا على الفراء : إنه لا يجوز إسقاط الموصول وترك الصّلة ، ولكن «رأيت» يتعدّى في المعنى إلى «ثم». والمعنى : إذا رأيت ببصرك ثم ، ويعني بثمّ الجنة ، قال السدّي : النعيم : ما يتنعم به ، والملك الكبير : استئذان الملائكة عليهم ، وكذا قال مقاتل والكلبي. وقيل : إن «رأيت» ليس له مفعول ملفوظ ولا مقدّر ولا منويّ ، بل معناه : أن بصرك أينما وقع في الجنة رأيت نعيما وملكا كبيرا (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ) قرأ نافع وحمزة وابن محيصن «عاليهم» بسكون الياء وكسر الهاء على أنه خبر مقدّم ، وثياب مبتدأ مؤخر ، أو على أن عاليهم مبتدأ ، وثياب مرتفع بالفاعلية ؛ وإن لم يعتمد الوصف كما هو مذهب الأخفش. وقال الفراء : هو مرفوع بالابتداء ، وخبره : ثياب سندس ، واسم الفاعل مراد به الجمع. وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الهاء على أنه ظرف في محلّ رفع على أنه خبر مقدّم ، وثياب مبتدأ مؤخر ، كأنه قيل : فوقهم ثياب. قال الفرّاء : إن عاليهم بمعنى فوقهم ، وكذا قال ابن عطية. قال أبو حيان : عال وعالية اسم فاعل ، فيحتاج في كونهما ظرفين إلى أن يكون منقولا من كلام العرب ، وقد تقدّمه إلى هذا الزجاج وقال : هذا مما لا نعرفه في الظروف ، ولو كان ظرفا لم يجز إسكان الياء ، ولكنه نصب على الحال من شيئين : أحدهما الهاء والميم في قوله : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ) أي : على الأبرار (وِلْدانٌ) ، عاليا الأبرار (ثِيابُ سُندُسٍ) ، أي : يطوف عليهم في هذه الحال. والثاني أن يكون حالا من الولدان ، أي : إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا في حال علوّ الثياب أبدانهم. وقال أبو عليّ الفارسيّ : العامل في الحال إما «لقّاهم نضرة وسرورا» ، وإما «جزاهم بما صبروا». قال : ويجوز أن يكون ظرفا. وقرأ ابن سيرين ومجاهد وأبو حيوة وابن أبي عبلة : «عليهم» ، وهي قراءة واضحة المعنى ظاهرة الدلالة. واختار أبو عبيد القراءة الأولى لقراءة ابن مسعود : «عاليتهم». وقرأ الجمهور بإضافة ثياب إلى سندس. وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة بتنوين ثياب وقطعها عن الإضافة ورفع سندس ، و (خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) على أن السندس نعت للثياب ؛ لأن السندس نوع من الثياب ، وعلى أن خضر نعت لسندس ؛ لأنه يكون أخضر وغير أخضر ، وعلى أن إستبرق معطوف على سندس ، أي : وثياب إستبرق ، والجمهور من القرّاء اختلفوا في خضر وإستبرق مع اتفاقهم على جرّ سندس بإضافة ثياب إليه ؛ فقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم وابن محيصن بجرّ خضر نعتا لسندس ، ورفع إستبرق عطفا على ثياب ، أي : عليهم ثياب سندس وعليهم إستبرق. وقرأ أبو عمرو وابن عامر برفع خضر نعتا لثياب ، وجرّ إستبرق نعت لسندس. واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد ؛ لأن الخضر أحسن ما كانت نعتا للثياب فهي مرفوعة ، والإستبرق من جنس السندس. وقرأ نافع وحفص برفع : «خضر وإستبرق» لأن خضر نعت للثياب ، وإستبرق عطف على
__________________
(١). الأنعام : ٩٤.