الثياب. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي بجرّ : «خضر وإستبرق» على أن خضر نعت للسندس ، وإستبرق معطوف على سندس. وقرءوا كلهم بصرف إستبرق إلا ابن محيصن فإنه لم يصرفه ، قال : لأنه أعجمي ، ولا وجه لهذا لأنه نكرة إلا أن يقول إنه علم لهذا الجنس من الثياب. والسندس : ما رقّ من الديباج. والإستبرق : ما غلظ منه ، وقد تقدّم تفسيرهما في سورة الكهف (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) عطف على (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ). ذكر سبحانه هنا أنهم يحلون بأساور الفضة وفي سورة فاطر (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) (١) وفي سورة الحج (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً) (٢) ولا تعارض بين هذه الآيات لإمكان الجمع بأن يجعل لهم سوارات من ذهب وفضة ولؤلؤ ، أو بأن المراد أنهم يلبسون سوارات الذهب تارة ، وسوارات الفضة تارة ، وسوارات اللؤلؤ تارة ، أو أنه يلبس كل أحد منه ما تميل إليه نفسه من ذلك ، ويجوز أن تكون هذه الجملة في محلّ نصب على الحال من ضمير عاليهم بتقدير قد (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) هذا نوع آخر من الشراب الّذي يمنّ الله عليهم به. قال الفرّاء : يقول : هو طهور ليس بنجس كما كان في الدنيا موصوفا بالنجاسة. والمعنى : أن ذلك الشراب طاهر ليس كخمر الدنيا. قال مقاتل : هو عين ماء على باب الجنة من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غش وغلّ وحسد. قال أبو قلابة وإبراهيم النخعي : يؤتون بالطعام ، فإذا كان آخره أتوا بالشراب الطهور ، فيشربون فتضمر بطونهم من ذلك ، ويفيض عرق من أبدانهم مثل ريح المسك (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً) أي : يقال لهم : إن هذا الّذي ذكر من أنواع النعم كان لكم جزاء بأعمالكم ، أي : ثوابا لها (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) أي : كان عملكم في الدنيا بطاعة الله مرضيا مقبولا ، وشكر الله سبحانه لعمل عبده هو قبوله لطاعته.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : الزمهرير هو البرد الشديد. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اشتكت النار إلى ربها فقالت : ربّ أكل بعضي بعضا ، فجعل لها نفسين : نفسا في الصيف ، ونفسا في الشتاء ، فشدّة ما تجدون من البرد من زمهريرها ، وشدّة ما تجدون في الصيف من الحرّ من سمومها». وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وهناد ابن السريّ وعبد بن حميد ، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث ، عن البراء بن عازب في قوله : (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) قال : قريبة (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) قال : إن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما وقعودا ومضطجعين وعلى أيّ حال شاؤوا. وفي لفظ قال : ذللت فيتناولون منها كيف شاؤوا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، والبيهقي في البعث ، عن ابن عباس قال : (بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ) وصفاؤها كصفاء القوارير (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) قال : قدّرت للكف. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والبيهقي عنه قال : لو أخذت فضة من فضة
__________________
(١). فاطر : ٣٣.
(٢). الحج : ٢٣.