الإشارة. وقرأ زيد بن عليّ والأعرج والأعمش وأبو حيوة وعاصم في رواية عنه بالفتح على البناء لإضافته إلى الفعل ، ومحله الرفع على الخبرية ، وقيل : هو منصوب على الظرفية ، والإشارة بهذا إلى ما تقدّم من الوعيد كأنه قيل : هذا العقاب المذكور كائن يوم لا ينطقون (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) قرأ الجمهور : «يؤذن» على البناء للمفعول ، وقرأ زيد بن عليّ : «ولا يأذن» على البناء للفاعل ، أي : لا يأذن الله لهم ، أي : لا يكون لهم إذن من الله فيكون لهم اعتذار من غير أن يجعل الاعتذار مسببا عن الإذن كما لو نصب. قال الفرّاء : الفاء في فيعتذرون نسق على يؤذن وأجيز ذلك لأن أواخر الكلام بالنون ، ولو قال فيعتذروا لم يوافق الآيات ، وقد قال : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) (١) بالنصب ، والكل صواب (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بما دعتهم إليه الرسل وأنذرتهم عاقبته (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) أي : ويقال لهم : هذا يوم الفصل الّذي يفصل فيه بين الخلائق ويتميز فيه الحق من الباطل ، والخطاب في جمعناكم للكفار في زمن نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ، والمراد بالأوّلين كفار الأمم الماضية (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ) أي : إن قدرتم على كيد الآن (فَكِيدُونِ) وهذا تقريع وتوبيخ لهم. قال مقاتل : يقول إن كان لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم ، وقيل المعنى : فإن قدرتم على حرب فحاربون ، وقيل : إن هذا من قول النبي صلىاللهعليهوسلم ، فيكون كقول هود : (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) (٢). (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) لأنه قد ظهر لهم عجزهم وبطلان ما كانوا عليه في الدنيا. ثم ذكر سبحانه المؤمنين فقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ) أي : في ظلال الأشجار وظلال القصور ، لا كالظلّ الّذي للكفار من الدخان ، أو من النار كما تقدّم. قال مقاتل والكلبي : المراد بالمتقين الذين يتقون الشرك بالله ؛ لأن السورة من أوّلها إلى آخرها في تقريع الكفار على كفرهم. قال الرازي : فيجب أن تكون هذه الآية مذكورة لهذا الغرض وإلا لتفككت السورة في نظمها وترتيبها وإنما يتمّ النظم بأن يكون الوعد للمؤمنين بسبب إيمانهم ، فأما جعله سببا للطاعة فلا يليق بالنظم كذا قال. والمراد بالعيون الأنهار ، وبالفواكه ما يتفكه به مما تطلبه أنفسهم وتستدعيه شهواتهم (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي : يقال لهم ذلك ، فالجملة مقدّرة بالقول ، وهي في محل نصب على الحال من ضمير المتقين ، والباء للسببية : أي بسبب ما كنتم تعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي : مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي المحسنين في أعمالهم ، قرأ الجمهور : «في ظلال». وقرأ الأعمش والزهري وطلحة والأعرج «في ظلل» جمع ظلّة (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) حيث صاروا في شقاء عظيم ، وصار المؤمنون في نعيم مقيم (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) الجملة بتقدير القول في محل نصب على الحال من المكذبين : أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك تذكيرا لهم بحالهم في الدنيا ، أو يقال لهم هذا في الدنيا ، والمجرمون : المشركون بالله ، وهذا وإن كان في اللفظ أمرا فهو في المعنى تهديد وزجر عظيم (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) كرّره لزيادة التوبيخ والتقريع (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) أي : وإذا أمروا بالصلاة لا يصلون.
__________________
(١). فاطر : ٣٦.
(٢). هود : ٥٥.