أعني ، أو هو في محلّ رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أو في محلّ جرّ على البدل من لفظ ليوم ، وإنما بني على الفتح في هذين الوجهين لإضافته إلى الفعل. قال الزجاج : «يوم» منصوب بقوله «مبعوثون» ، المعنى : ألا يظنون أنهم يبعثون يوم القيامة ، ومعنى يوم يقوم الناس : يوم يقومون من قبورهم لأمر ربّ العالمين ، أو لجزائه ، أو لحسابه ، أو لحكمه وقضائه. وفي وصف اليوم بالعظم مع قيام الناس لله خاضعين فيه ووصفه سبحانه بكونه ربّ العالمين دلالة على عظم ذنب التطفيف ، ومزيد إثمه وفظاعة عقابه. وقيل : المراد بقوله : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ) قيامهم في رشحهم إلى أنصاف آذانهم ، وقيل : المراد قيامهم بما عليهم من حقوق العباد ، وقيل : المراد قيام الرسل بين يدي الله للقضاء ، والأوّل أولى. قوله : (كَلَّا) هي للردع والزجر للمطففين الغافلين عن البعث وما بعده. ثم استأنف فقال : (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) أن كلا بمعنى حقا متصلة بما بعدها على معنى : حقا إن كتاب الفجار لفي سجين ، وسجين هو ما فسره به سبحانه من قوله : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ ـ كِتابٌ مَرْقُومٌ) فأخبر بهذا أنه كتاب مرقوم ، أي : مسطور ، قيل : هو كتاب جامع لأعمال الشرّ الصادر من الشياطين والكفرة والفسقة ، ولفظ سجين علم له. وقال قتادة وسعيد بن جبير ومقاتل وكعب : إنه صخرة تحت الأرض السابعة تقلب فيجعل كتاب الفجار تحتها ، وبه قال مجاهد ، فيكون في الكلام على هذا القول مضاف محذوف ، والتقدير : محل كتاب مرقوم. وقال أبو عبيدة والأخفش والمبرد والزجاج (لَفِي سِجِّينٍ) لفي حبس وضيق شديد ، والمعنى : كأنهم في حبس ، جعل ذلك دليلا على خساسة منزلتهم وهوانها. قال الواحدي : ذكر قوم أن قوله : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) تفسير لسجين ، وهو بعيد لأنه ليس السجين من الكتاب في شيء على ما حكيناه عن المفسرين ، والوجه أن يجعل بيانا لكتاب المذكور في قوله : (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ) على تقدير هو كتاب مرقوم ، أي : مكتوب قد بينت حروفه. انتهى. والأولى ما ذكرناه ، ويكون المعنى : إن كتاب الفجار الذين من جملتهم المطففون ، أي : ما يكتب من أعمالهم أو كتابة أعمالهم لفي ذلك الكتاب المدوّن للقبائح المختصّ بالشر ، وهو سجين. ثم ذكر ما يدل على تهويله وتعظيمه ، فقال : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) ثم بينه بقوله : (كِتابٌ مَرْقُومٌ). قال الزجاج : معنى قوله : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ولا قومك. قال قتادة : ومعنى مرقوم : رقم لهم بشرّ ، كأنه أعلم بعلامة يعرف بها أنه كافر. وكذا قال مقاتل. وقد اختلفوا في نون سجين ، فقيل : هي أصلية واشتقاقه من السجن ، وهو الحبس ، وهو بناء مبالغة كخمير وسكير وفسيق ، من الخمر والسكر والفسق. وكذا قال أبو عبيدة والمبرد والزجاج. قال الواحدي : وهذا ضعيف لأن العرب ما كانت تعرف سجينا. ويجاب عنه بأن رواية هؤلاء الأئمة تقوم بها الحجة ، وتدل على أنه من لغة العرب ، ومنه قول ابن مقبل :
ورفقة يضربون البيض ضاحية |
|
ضربا تواصت به الأبطال سجّينا |
وقيل : النون بدل من اللام ، والأصل : سجيل ؛ مشتقا من السجل ، وهو الكتاب. قال ابن عطية : من قال إن سجينا موضع فكتاب مرفوع على أنه خبر إن ، والظرف وهو قوله : (لَفِي سِجِّينٍ) ملغى ، ومن جعله عبارة عن الكتاب ، فكتاب خبر مبتدأ محذوف ، التقدير : هو كتاب ، ويكون هذا الكلام مفسرا