يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن عليّ أن رجلا سأله عن قوله : (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قال : هل سألت أحدا قبلي؟ قال : نعم سألت ابن عمرو وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة. قال : لا ، ولكن الشاهد محمد صلىاللهعليهوسلم ، ثم قرأ : (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (١) والمشهود : يوم القيامة ، ثم قرأ : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) (٢). وأخرج عبد بن حميد ، والطبراني في الأوسط والصغير ، وابن مردويه عن الحسين بن عليّ في الآية قال : الشاهد : جدّي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والمشهود : يوم القيامة ، ثم تلا : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) (٣) (وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) (٤). وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود : يوم القيامة ، والشاهد : محمد صلىاللهعليهوسلم ، والمشهود : يوم القيامة ، ثم تلا : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ). وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد : الله ، والمشهود : يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال : الشاهد : الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال : الشاهد : الله ، والمشهود : يوم القيامة.
قلت : وهذه التفاسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى ، وكذلك اختلفت تفاسير التابعين بعدهم ، واستدلّ من استدلّ منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود ، فجعله دليلا على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة ، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو ذلك الشاهد والمشهود الّذي ذكر في آية أخرى ، وإلّا لزم أن يكون قوله هنا : (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز أو السنة المطهرة أنه يشهد أو أنه مشهود ، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض ، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت : هل في المرفوع الّذي ذكرته من حديثي أبي هريرة ، وحديث أبي مالك ، وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود ، والشاهد والمشهود؟ قلت : أما اليوم الموعود فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها ، بل اتفقت على أنه يوم القيامة ، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم الجمعة ، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة ، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة ، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة ، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة ، فاتفقت هذه الأحاديث عليه ، ولا تضرّ زيادة يوم عرفة في حديث أبي هريرة الثاني ؛ وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأوّل أنه يوم عرفة ، وفي حديثه الثاني أنه يوم القيامة ، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة ، وفي حديث جبير بن مطعم أنه يوم عرفة ، وكذا في حديث سعيد فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة ، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة ، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة ، وأما اليوم الموعود فقد قدّمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
__________________
(١). النساء : ٤١.
(٢). هود : ١٠٣.
(٣). الأحزاب : ٤٥.
(٤). هود : ١٠٣.