وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم ، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاما فهما ، أو قال فطنا لقنا فأعلمه علمي ، فإني أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم ولا يكون فيكم من يعلمه ، قال : فنظروا له على ما وصف ، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن وأن يختلف إليه ، فجعل الغلام يختلف إليه ، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة ، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرّ به ، فلم يزل به حتى أخبره فقال : إنما أعبد الله ، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب ويبطئ على الكاهن ، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني ، فأخبر الغلام الراهب بذلك ، فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت؟ فقل عند أهلي ، وإذا قال لك أهلك أين كنت؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن ، فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة ، يقال : إنها كانت أسدا ، فأخذ الغلام حجرا فقال : اللهم إن كان ما يقول ذلك الراهب حقا فأسألك أن أقتل هذه الدابة ، وإن كان ما يقول الكاهن حقا فأسألك أن لا أقتلها ، ثم رمى فقتل الدابة ، فقال الناس : من قتلها؟ فقالوا : الغلام ، ففزع الناس وقالوا : قد علم هذا الغلام علما لم يعلمه أحد ، فسمع أعمى فجاءه فقال له : إن أنت رددت عليّ بصري فلك كذا وكذا ، فقال الغلام : لا أريد منك هذا ، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي ردّه عليك؟ قال : نعم ، فدعا الله فردّ عليه بصره فآمن الأعمى ، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليه فأتى بهم فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه ، فأمر بالراهب والرجل الّذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله ، وقتل الآخر بقتلة أخرى ، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه ، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل ، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الّذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويترددون حتى لم يبق منهم إلا الغلام ، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه ، فانطلقوا به إلى البحر ، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه ، فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله رب الغلام ، فأمر به فصلب ثم رماه وقال : بسم الله رب الغلام ، فوقع السهم في صدغه ، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات ، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علما ما علمه أحد ، فإنا نؤمن بربّ هذا الغلام ، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة؟ فهذا العالم كلهم قد خالفوك ، قال : فخدّ أخدودا ثم ألقي فيه الحطب والنار ، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه ، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار ، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود : فقال : يقول الله : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ـ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) حتى بلغ (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)».
فأما الغلام فإنه دفن ، ثم أخرج ، فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب وإصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل. ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أواخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن