فقال : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ ـ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) قرأ الجمهور بتنوين : عاد على أن يكون إرم عطف بيان لعاد ، والمراد بعاد اسم أبيهم ، وإرم : اسم القبيلة أو بدلا منه ، وامتناع صرف إرم للتعريف والتأنيث. وقيل : المراد بعاد أولاد عاد ، وهم عاد الأولى ، ويقال لمن بعدهم عاد الأخرى ، فيكون ذكر إرم على طريقة عطف البيان أو البدل ؛ للدلالة على أنهم عاد الأولى لا عاد الأخرى ، ولا بدّ من تقدير مضاف على كلا القولين : أي أهل إرم ، أو سبط إرم؟ فإن إرم هو جدّ عاد ، لأنه عاد بن إرم بن عوص بن سام ابن نوح. وقرأ الحسن وأبو العالية بإضافة عاد إلى إرم. وقرأ الجمهور : (إِرَمَ) بكسر الهمزة. وفتح الراء والميم. وقرأ الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك (إِرَمَ) بفتح الهمزة والراء ، وقرأ معاذ بسكون الراء تخفيفا ، وقرئ بإضافة إرم إلى ذات العماد. قال مجاهد : من قرأ بفتح الهمزة شبههم بالإرم التي هي الأعلام واحدها أرم ، وفي الكلام تقديم وتأخير ، أي : والفجر كذا وكذا (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ أَلَمْ تَرَ) ، أي : ألم ينته علمك إلى ما فعل ربك بعاد ، وهذه الرؤية رؤية القلب ، والخطاب للنبيّ ، أو لكلّ من يصلح له ، وقد كان أمر عاد وثمود مشهورا عند العرب ؛ لأن ديارهم متصلة بديار العرب ، وكانوا يسمعون من أهل الكتاب أمر فرعون. وقال مجاهد أيضا : إرم : أمة من الأمم ، وقال قتادة : هي قبيلة من عاد ، وقيل : هما عادان ، فالأولى هي إرم ، ومنه قول قيس بن الرّقيّات :
مجدا تليدا بناه أوّلهم |
|
أدرك عادا وقبله إرما |
قال معمر : إرم إليه مجتمع عاد وثمود ، وكان يقال : عاد إرم وعاد وثمود ، وكانت القبيلتان تنسب إلى إرم. قال أبو عبيدة : هما عادان ، فالأولى إرم. ومعنى ذات العماد : ذات القوّة والشدّة ، مأخوذ من قوة الأعمدة ، كذا قال الضحاك : وقال قتادة ومجاهد : إنهم كانوا أهل عمد سيارة في الربيع ، فإذا هاج النبت رجعوا إلى منازلهم. وقال مقاتل : ذات العماد يعني طولهم ، كان طول الرجل منهم اثني عشرة ذراعا ، ويقال رجل طويل العماد : أي القامة. قال أبو عبيدة : ذات العماد ذات الطول ، يقال رجل معمد : إذا كان طويلا. وقال مجاهد وقتادة : أيضا كان عمادا لقومهم ، يقال : فلان عميد القوم وعمودهم ، أي : سيدهم. وقال ابن زيد : ذات العماد يعني إحكام البنيان بالعمد. قال في الصحاح : والعماد : الأبنية الرفيعة ، تذكر وتؤنث ، قال عمرو بن كلثوم :
ونحن إذا عماد الحيّ خرّت |
|
على الأخفاض نمنع من يلينا |
وقال عكرمة وسعيد المقبري : هي دمشق ، ورواه ابن وهب وأشهب عن مالك. وقال محمد بن كعب : هي الإسكندرية. (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) هذه صفة لعاد ، أي : لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول والشدّة والقوّة ، وهم الذين قالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) (١) أو صفة للقرية على قول من قال : إن إرم اسم
__________________
(١). فصلت : ١٥.