من التراب لباس ولا غيره. وقال قتادة : هو ذو العيال. وقال عكرمة : هو المديون. وقال أبو سنان : هو ذو الزّمانة. وقال ابن جبير : هو الّذي ليس له أحد. وقال عكرمة : هو البعيد التربة الغريب عن وطنه ، والأوّل أولى ، ومنه قول الهذليّ :
وكنّا إذا ما الضّيف حلّ بأرضنا |
|
سفكنا دماء البدن في تربة الحال |
قرأ الجمهور «ذي مسغبة» على أنه صفة ليوم ، ويتيما هو مفعول إطعام. وقرأ الحسن «ذا مسغبة» بالنصب على أنه مفعول إطعام ، أي : يطعمون ذا مسغبة ، ويتيما بدل منه (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) عطف على المنفيّ بلا ، وجاء بثم للدلالة على تراخي رتبة الإيمان ورفعة محلّه. وفيه دليل على أن هذه القرب إنما نفع مع الإيمان ، وقيل : المعنى : ثم كان من الذين آمنوا بأن هذا نافع لهم. وقيل المعنى : أنه أتى بهذه القرب لوجه الله (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) معطوف على آمنوا ، أي : أوصى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة الله ، وعن معاصيه ، وعلى ما أصابهم من البلايا والمصائب (وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) أي : بالرحمة على عباد الله فإنهم إذا فعلوا ذلك رحموا اليتيم والمسكين ، واستكثروا من فعل الخير بالصدقة ونحوها ، والإشارة بقوله : (أُولئِكَ) إلى الموصول باعتبار اتّصافه بالصفات المذكورة هم (أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) أي : أصحاب جهة اليمين ، أو أصحاب اليمن ، أو الذين يعطون كتبهم بأيمانهم ، وقيل غير ذلك مما قد قدّمنا ذكره في سورة الواقعة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا) أي : بالقرآن ، أو بما هو أعمّ منه ، فتدخل الآيات التنزيلية والآيات التكوينية التي تدلّ على الصانع سبحانه (هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) أي : أصحاب الشمال ، أو أصحاب الشؤم ، أو الذين يعطون كتبهم بشمالهم ، أو غير ذلك مما تقدّم (عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ) أي : مطبقة مغلقة ، يقال : آصدت الباب وأوصدته ؛ إذا أغلقته وأطبقته ، ومنه قول الشاعر :
تحنّ إلى أجبال مكّة ناقتي |
|
ومن دونها أبواب صنعاء مؤصده |
قرأ الجمهور «موصدة» بالواو. وقرأ أبو عمرو وحمزة وحفص بالهمزة مكان الواو ، وهما لغتان ، والمعنى واحد.
وقد أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) قال : مكة (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) يعني بذلك النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أحلّ الله له يوم دخل مكة أن يقتل من شاء ويستحيي من شاء ، فقتل له يومئذ ابن خطل صبرا ، وهو آخذ بأستار الكعبة ، فلم يحلّ لأحد من الناس بعد النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يفعل فيها حراما حرّمه الله ، فأحلّ الله له ما صنع بأهل مكة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في قوله : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) قال مكة (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) قال : أنت يا محمد يحلّ لك أن تقاتل فيه ، وأما غيرك فلا. وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي قال : نزلت هذه الآية (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ ـ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) فيّ ، خرجت فوجدت عبد الله بن خطل وهو متعلّق بأستار الكعبة ، فضربت عنقه بين الركن والمقام. وأخرج الحاكم وصحّحه عن ابن عباس (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ ـ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا