والمراد تحركها عند قيام الساعة فإنها تضطرب حتى يتكسر كلّ شيء عليها. قال مجاهد : وهي النفخة الأولى لقوله تعالى : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ـ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) (١) وذكر المصدر للتأكيد ثم أضافه إلى الأرض فهو مصدر مضاف إلى فاعله ، والمعنى : زلزالها المخصوص الّذي يستحقه ويقتضيه جرمها وعظمها. قرأ الجمهور : «زلزالها» بكسر الزاي ، وقرأ الجحدري وعيسى بفتحها ، وهما مصدران بمعنى ، وقيل : المكسور مصدر والمفتوح اسم. قال القرطبي : والزلزال بالفتح مصدر كالوسواس والقلقال (٢) (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) أي : ما في جوفها من الأموات والدفائن ، والأثقال : جمع ثقل ، قال أبو عبيدة والأخفش : إذا كان الميت في بطن الأرض فهو ثقل لها ، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها. قال مجاهد : أثقالها موتاها تخرجهم في النفخة الثانية ، وقد قيل للإنس والجنّ الثقلان ، وإظهار الأرض في موضع الإضمار لزيادة التقرير (وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها) أي : قال كل فرد من أفراد الإنسان ما لها زلزلت؟ لما يدهمه من أمرها ويبهره من خطبها ، وقيل : المراد بالإنسان الكافر ، وقوله : مالها مبتدأ وخبر ، وفيه معنى التعجيب ، أي : أيّ شيء لها ، أو لأيّ شيء زلزلت وأخرجت أثقالها؟ وقوله : (يَوْمَئِذٍ) بدل من إذا ، والعامل فيهما قوله : (تُحَدِّثُ أَخْبارَها) ويجوز أن يكون العامل في إذا محذوفا والعامل في يومئذ تحدّث ، والمعنى : يوم إذا زلزلت وأخرجت تخبر بأخبارها وتحدّثهم بما عمل عليها من خير وشرّ ، وذلك إما بلسان الحال حيث يدلّ على ذلك دلالة ظاهرة ، أو بلسان المقال ، بأن ينطقها الله سبحانه. وقيل : هذا متصل بقوله : (وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها) أي : قال مالها (تُحَدِّثُ أَخْبارَها) متعجّبا من ذلك ، وقال يحيى بن سلام : تحدّث أخبارها بما أخرجت من أثقالها ، وقيل : تحدث بقيام الساعة ، وأنها قد أتت وأن الدنيا قد انقضت. قال ابن جرير : تبين أخبارها بالرجفة والزلزلة وإخراج الموتى ، ومفعول تحدّث الأوّل محذوف والثاني هو أخبارها ، أي : تحدّث الخلق أخبارها (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) متعلّق بتحدّث ، ويجوز أن يتعلق بنفس أخبارها ، وقيل : الباء زائدة ، وأنّ وما في حيزها بدل من أخبارها ، وقيل : الباء سببية ، أي : بسبب إيحاء الله إليها. قال الفراء : تحدّث أخبارها بوحي الله وإذنه لها ، واللام في أوحى لها بمعنى إلى وإنما أثرت على إلى لموافقة الفواصل ، والعرب تضع لام الصفة موضع إلى ، كذا قال أبو عبيدة. وقيل : إن أوحى يتعدّى باللام تارة ، وبإلى أخرى ، وقيل : إن اللام على بابها من كونها للعلة ، والموحى إليه محذوف ، وهو الملائكة ، والتقدير : أوحى إلى الملائكة لأجل الأرض : أي لأجل ما يفعلون فيها ، والأوّل أولى (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) الظرف إما بدل من يومئذ الّذي قبله ، وإما منصوب بمقدّر هو اذكر ، وإما منصوب بما بعده ، والمعنى : يوم إذ يقع ما ذكر يصدر الناس من قبورهم إلى موقف الحساب أشتاتا ، أي : متفرّقين ، والمصدر : الرجوع وهو ضدّ الورود ، وقيل : يصدرون من موضع الحساب إلى الجنة أو النار ، وانتصاب أشتاتا على الحال ، والمعنى : أن بعضهم آمن وبعضهم خائف ، وبعضهم بلون أهل الجنة وهو البياض ، وبعضهم بلون أهل النار وهو السواد ، وبعضهم ينصرف إلى جهة
__________________
(١). النازعات : ٦ ـ ٧.
(٢). «القلقال» : من قلقل الشيء إذا حرّكه.