فلا والعاديات غداة جمع |
|
بأيديها إذا سطع الغبار |
ونقل أهل اللغة أن أصل الضبح للثعلب فاستعير للخيل ، ومنه قول الشاعر :
تضبح في الكفّ ضباح الثّعلب
(فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) هي الخيل حين توري النار بسنابكها ، والإيراء : إخراج النار ، والقدح : الصك ، فجعل ضرب الخيل بحوافرها كالقدح بالزناد. قال الزجاج : إذا عدت الخيل بالليل وأصاب حوافرها الحجارة انقدح منها النيران ، والكلام في انتصاب قدحا كالكلام في انتصاب ضبحا ، والخلاف في كونها الخيل أو الإبل كالخلاف الّذي تقدّم في العاديات ، والراجح أنها الخيل كما ذهب إليه الجمهور ، وكما هو الظاهر في هذه الأوصاف المذكورة في هذه السورة ما تقدّم منها وما سيأتي ، فإنها في الخيل أوضح منها في الإبل ، وسيأتي ما في ذلك من الخلاف بين الصحابة (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) أي : التي تغير على العدوّ وقت الصباح ، يقال : أغار يغير إغارة : إذا باغت عدوّه بقتل أو أسر أو نهب وأسند الإغارة إليها وهي لأهلها للإشعار بأنها عمدتهم في إغارتهم ، وانتصاب صبحا على الظرفية (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) معطوف على الفعل الّذي دلّ عليه اسم الفاعل ، إذ المعنى : واللاتي عدون فأثرن ، أو على اسم الفاعل نفسه لكونه في تأويل الفعل لوقوعه صلة للموصول ، فإن الألف واللام في الصفات أسماء موصولة ، فالكلام في قوّة : واللاتي عدون فأغرن فأثرن ، والنقع : الغبار الّذي أثرنه في وجه العدو عند الغزو ، وتخصيص إثارته بالصبح لأنه وقت الإغارة ، ولكونه لا يظهر أثر النقع في الليل الذي اتصل به الصبح. وقيل : المعنى : فأثرن بمكان عدوهنّ نقعا ، يقال ثار النقع وأثرته : أي هاج أو هيجته. قرأ الجمهور : (فَأَثَرْنَ) بتخفيف المثلثة. وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة بالتشديد ، أي : فأظهرن به غبارا. وقال أبو عبيدة : النقع : رفع الصوت ، وأنشد قول لبيد :
فمتى ينقع صراخ صادق |
|
يحلبوها ذات جرس وزجل |
يقول حين سمعوا صراخا : أحلبوا الحرب ، أي : جمعوا لها. قال أبو عبيدة : وعلى هذا رأيت قول أكثر أهل العلم انتهى ، والمعروف عند جمهور أهل اللغة والمفسرين أن النقع الغبار ، ومنه قول الشاعر :
يخرجن من مستطار النّقع دامية |
|
كأنّ أذنابها أطراف أقلام |
وقول عبد الله بن رواحة :
عدمنا خيلنا إن لم تروها |
|
تثير النّقع من كنفي كداء |
وقول الآخر :
كأنّ مثار النّقّع فوق رؤوسنا |
|
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه |
وهذا هو المناسب لمعنى الآية ، وليس لتفسير النقع بالصوت فيها كثير معنى ، فإن قولك أغارت الخيل على بني فلان صبحا فأثرن به صوتا ، قليل الجدوى مغسول المعنى بعيد من بلاغة القرآن المعجزة. وقيل :