وقيل : المعنى : وإن الإنسان من أجل حب المال لبخيل ، والأوّل أولى. واللام في (لِحُبِ) متعلقة بشديد. قال ابن زيد : سمّى الله المال خيرا ، وعسى أن يكون شرّا ، ولكن الناس يجدونه خيرا ، فسمّاه خيرا. قال الفراء : أصل نظم الآية أن يقال : وإنه لشديد الحبّ للخير ، فلما قدّم الحبّ قال : لشديد ، وحذف من آخره ذكر الحبّ ، لأنه قد جرى ذكره ، ولرؤوس الآي كقوله : (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) (١) والعصوف للريح لا لليوم ، كأنه قال : في يوم عاصف الريح (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) الاستفهام للإنكار ، والفاء للعطف على مقدّر يقتضيه المقام ، أي : يفعل ما يفعل من القبائح فلا يعلم ، وبعثر معناه : نثر وبحث ، أي : نثر ما في القبور من الموتى وبحث عنهم وأخرجوا. قال أبو عبيدة : بعثرت المتاع : جعلت أسفله أعلاه. قال الفرّاء : سمعت بعض العرب من بني أسد يقول : بحثر بالحاء مكان العين ، وقد تقدّم الكلام على هذا في قوله : (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) (٢) (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) أي : ميز وبيّن ما فيها من الخير والشرّ ، والتحصيل : التمييز ، كذا قال المفسرون ، وقيل : حصل : أبرز. قرأ الجمهور : (حُصِّلَ) بضم الحاء وتشديد الصاد مكسورا مبنيا للمفعول ، وقرأ عبيد بن عمير وسعيد بن جبير ويحيى بن يعمر ونصر بن عاصم «حصل» بفتح الحاء والصاد وتخفيفها مبنيا للفاعل ، أي : ظهر (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) أي : إن ربّ المبعوثين بهم لخبير ، لا تخفى عليه منهم خافية ؛ فيجازيهم بالخير خيرا ، وبالشرّ شرّا. قال الزجاج : الله خبير بهم في ذلك اليوم وفي غيره ، ولكن المعنى : إن الله يجازيهم على كفرهم في ذلك اليوم ، ومثله قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) (٣) معناه : أولئك الذين لا يترك الله مجازاتهم. قرأ الجمهور (إِنَّ رَبَّهُمْ) بكسر الهمزة وباللام في «لخبير» ، وقرأ أبو السمّال بفتح الهمزة وإسقاط اللام من «الخبير».
وقد أخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والدار قطني في الأفراد ، وابن مردويه عن ابن عباس قال : «بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم خيلا فاستمرت شهرا لا يأتيه منها خبر ، فنزلت : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) ضبحت بأرجلها» ولفظ ابن مردويه : ضبحت بمناخرها (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) قدحت بحوافرها الحجارة فأورت نارا (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) صبحت القوم بغارة (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) أثارت بحوافرها التراب (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) صبحت القوم جميعا. وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عنه قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم سرية إلى العدوّ فأبطأ خبرها ، فشقّ ذلك عليه ، فأخبره الله خبرهم وما كان من أمرهم ، فقال : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) قال : «هي الخيل». والضبح : نخير الخيل حين تنخر ، (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) قال : حين تجري الخيل توري نارا أصابت سنابكها الحجارة (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) قال : هي الخيل أغارت فصبحت العدوّ ، (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) قال : هي الخيل أثرن بحوافرها ، يقول : بعدو الخيل ، والنقع : الغبار ، (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) قال : الجمع : العدو. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال : تقاولت أنا وعكرمة في شأن العاديات ، فقال : قال ابن عباس : هي الخيل في القتال ، وضبحها حين ترخي مشافرها إذا عدت (فَالْمُورِياتِ
__________________
(١). إبراهيم : ١٨.
(٢). الانفطار : ٤.
(٣). النساء : ٦٣.