كان لها خراطيم كخراطيم الطير وأكفّ كأكف الكلاب. وقيل في صفتها غير ذلك ، والعرب تستعمل الأبابيل في الطير ، كما في قول الشاعر :
تراهم إلى الدّاعي سراعا كأنّهم |
|
أبابيل طير تحت دجن مسخّن (١) |
وتستعملها في غير الطير ، كقول الآخر :
كادت تهدّ من الأصوات راحلتي |
|
إذ سالت الأرض بالجرد (٢) الأبابيل |
(تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) الجملة في محلّ نصب صفة لطير. قرأ الجمهور : (تَرْمِيهِمْ) بالفوقية. وقرأ أبو حنيفة وأبو معمر وعيسى وطلحة بالتحتية ، واسم الجمع يذكر ويؤنث. وقيل : الضمير في القراءة الثانية لله عزوجل. قال الزجاج (مِنْ سِجِّيلٍ) أي : ممّا كتب عليهم العذاب به ، مشتقا من السجل. قال في الصحاح : قالوا : هي حجارة من طين طبخت بنار جهنم مكتوب فيها أسماء القوم. قال عبد الرّحمن ابن أبزى : (مِنْ سِجِّيلٍ) من السماء ، وهي الحجارة التي نزلت على قوم لوط ، وقيل : من الجحيم التي هي سجين ، ثم أبدلت النون لاما ، ومنه قول ابن مقبل :
ضربا تواصت به الأبطال سجّيلا (٣)
وإنما هو سجّينا. قال عكرمة : كان ترميهم بحجارة معها ، فإذا أصاب أحدهم حجر منها خرج به الجدري ، وكان الحجر كالحمّصة وفوق العدسة ، وقد قدّمنا الكلام في سجيل في سورة هود (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) أي : جعل الله أصحاب الفيل كورق الزرع إذا أكلته الدواب فرمت به من أسفل ، شبّه تقطع أوصالهم بتفرّق أجزائه. وقيل : المعنى : أنهم صاروا كورق زرع قد أكلت منه الدّوابّ وبقي منه بقايا ، أو أكلت حبة فبقي بدون حبة. والعصف جمع عصفة وعصافة وعصيفة ، وقد قدّمنا الكلام في العصف في سورة الرّحمن فارجع إليه.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال : جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح فأتاهم عبد المطلب فقال : إن هذا بيت الله لم يسلّط عليه أحدا ، قالوا : لا نرجع حتى نهدمه وكانوا لا يقدّمون فيلهم إلا تأخر ، فدعا الله الطير الأبابيل ، فأعطاها حجارة سودا عليها الطين ، فلما حاذتهم رمتهم فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة ، فكان لا يحكّ الإنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه. وأخرج ابن المنذر والحاكم وأبو نعيم والبيهقي عنه قال : أقبل أصحاب الفيل حتى إذا دنوا من مكة استقبلهم عبد المطلب ، فقال لملكهم. ما جاء بك إلينا؟ ألا بعثت فنأتيك بكل شيء؟ فقال : أخبرت بهذا البيت الّذي
__________________
(١). قال في حاشية القرطبي : لعل صوابه : مسخر.
(٢). «الجرد» : الخيل لا رجالة فيها.
(٣). وصدر البيت : ورجلة يضربون البيض عن عرض.