فكيف يخفى عليه بطلان ما تدّعونه من الإيمان. والجملة من محل النصب على الحال من مفعول تعلمون (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لا تخفى عليه من ذلك خافية ، وقد علم ما تبطنونه من الكفر وتظهرونه من الإسلام لخوف الضرّاء ورجاء النفع. ثم أخبر الله سبحانه رسوله بما يقوله لهم عند المنّ عليه منهم بما يدّعونه من الإسلام ، فقال : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) أي : يعدّون إسلامهم منّة عليك ، حيث قالوا : جئناك بالأثقال والعيال ، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) أي : لا تعدّوه عليّ ، فإن الإسلام هو المنّة التي لا يطلب موليها ثوابا لمن أنعم بها عليه ، ولهذا قال : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) أي : أرشدكم إليه وأراكم طريقه ، سواء وصلتم إلى المطلوب أم لم تصلوا إليه ، وانتصاب إسلامكم إما على أنه مفعول به على تضمين يمنون معنى يعدّون ، أو بنزع الخافض ، أي : لأن أسلموا ، وهكذا قوله : (أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) فإنه يحتمل الوجهين (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيما تدّعونه ، والجواب محذوف يدلّ عليه ما قبله ؛ أي : إن كنتم صادقين فلله المنّة عليكم ، قرأ الجمهور : (أَنْ هَداكُمْ) بفتح أن ، وقرأ عاصم بكسرها. (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : ما غاب فيهما (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) لا يخفى عليه من ذلك شيء ، فهو مجازيكم بالخير خيرا وبالشرّ شرّا. قرأ الجمهور (تَعْمَلُونَ) على الخطاب ، وقرأ ابن كثير على الغيبة.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن أبي مليكة قال : لما كان يوم الفتح رقي بلال فأذّن على الكعبة ، فقال بعض الناس : أهذا العبد الأسود يؤذّن على ظهر الكعبة؟! وقال بعضهم : إن يسخط الله هذا يغيّره ، فنزلت : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى). وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه. وأخرج أبو داود في مراسيله ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن الزهري قال : أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بني بياضة أن يزوّجوا أبا هند امرأة منهم فقالوا : يا رسول الله ، أنزوّج بناتنا موالينا؟ فنزلت هذه الآية. وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب أن هذه الآية (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) هي مكية ، وهي للعرب خاصة الموالي ، أي قبيلة لهم ، وأي شعاب ، وقوله : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) قال : أتقاكم للشرك. وأخرج البخاري وابن جرير عن ابن عباس قال : الشعوب : القبائل العظام ، والقبائل : البطون. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال : الشعوب : الجماع ، والقبائل : الأفخاذ التي يتعارفون بها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عنه أيضا قال : القبائل الأفخاذ ، والشعوب : الجمهور مثل مضر. وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة قال : «سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أيّ الناس أكرم؟ قال : أكرمهم عند الله أتقاهم. قالوا : ليس عن هذا نسألك. قال : فأكرم الناس يوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن خليل الله. قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا : نعم ، قال : خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» وقد وردت أحاديث في الصحيح وغيره أن التقوى هي التي يتفاضل بها العباد.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) قال : أعراب