وبهرام وزحل هذه الأنجم كلها درية (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ) أخذ دهن القنديل من دهن شجرة (مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) وهى شجرة الزيتون (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) بفلاة على تلعة لا يصيبها ظل المشرق ، ولا ظل المغرب ، ويقال : بمكان لا تضيئها الشمس حين طلعت ولا حين غربت (يَكادُ زَيْتُها) زيت الشجرة (يُضِيءُ) من وراء قشرها (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ) وإن لم تمسه (نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ) فهو النور على النور المصباح نور والقنديل نور والزيت نور (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ) يكرم الله بنوره يعنى المعرفة ، ويقال : يكرم الله بدينه (مَنْ يَشاءُ) من كان أهلا لذلك ، ويقال : (مَثَلُ نُورِهِ) نور محمد صلىاللهعليهوسلم فى أصلاب آبائه على هذا الوصف ، إلى قوله : (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) يقول : كان نور محمد فى إبراهيم حنيفا مسلما (زَيْتُونَةٍ) دين حنيفية (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) لم يكن إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا (يَكادُ زَيْتُها) يقول : تكاد أعمال إبراهيم تضىء فى أصلاب آبائه على هذا الوصف إلى قوله : توقد شجرة مباركة ، يقول : كأنه نور محمد صلىاللهعليهوسلم ولو لم تمسه نار ، أى لو لم يكن إبراهيم نبيا لكن له هذا النور أيضا ، ويقال : لو لم تمسه نار ، لو لم يكرم الله إبراهيم لم يكن له هذا النور ، ويقال : لو لم يكرم الله عبده المؤمن بهذا النور لم يكن له هذا النور (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) هكذا يبين الله صفة المعرفة للناس (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من كرامته لعباده (عَلِيمٌ (٣٥)) وهذا مثل ضربه الله للمعرفة وبين منفعتها ومدحتها لكى يشكروا بها ، يقول : كما أن للسراج نور يهتدى به كذلك المعرفة نور يهتدى بها ، وكما أن القنديل نور ينتفع به كذلك المعرفة نور يهتدى بها ، وكما أن الكواكب الدرية يهتدى بها فى ظلمات البر والبحر كذلك المعرفة يهتدى بها فى ظلمات الكفر والشرك ، وكما أن دهن القنديل من زيتونة مباركة ، كذلك المعرفة من الله تعالى لعبده ، وكما أن الزيتونة لا شرقية ولا غربية كذلك دين المؤمن حنيفى لا يهودى ولا نصرانى ، وكما أن زيت الشجرة نور مضىء وإن لم تصبه النار فكذلك شرائع إيمان المؤمنين ممدوح ، وإن لم يكن معها غيرها من الفضائل ، وكما أن السراج والقنديل والمشكاة نور على نور كذلك المعرفة نور ، وقلب المؤمن نور وصدره نور ومدخله نور ومخرجه نور على نور ، يهدى الله لنوره من يشاء يكرم الله بهذا النور من كان أهلا لذلك فهذا وصف الله للمعرفة (١).
__________________
(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ٢٥٢) ، والسبعة (٤٥٦) ، وتفسير الطبرى (١٨ / ١٠٩) ، وزاد المسير (٦ / ٤) ، والبحر المحيط (٦ / ٤٥٥).