وثانيهما أن يقال : المذكور في تلك الأخبار «الغناء» ، والمفرد المعرّف لا يدلّ على العموم لغة ، وعمومه إنّما يستنبط من حيث إنّه لا قرينة على ارادة الخاصّ ، وإرادة بعض الأفراد من غير تعيين ينافي غرض الإفادة وسياق البيان والحكمة ، فلا بدّ من حمله على الاستغراق والعموم ، وهاهنا ليس كذلك ، لأنّ الشائع في ذلك الزمان الغناء على سبيل اللهو من الجواري المغنيّات في مجالس الفجور والخمور ، وغيرها ، فحمل المفرد المعرّف على تلك الأفراد الشائعة في ذلك الزمان غير بعيد ، وفي عدّة من الأخبار إشعار بكونه لهوا باطلا ، وصدق ذلك في القرآن والدعوات ، والأذكار المقروءة بالأصوات الطيّبة المذكّرة للآخرة والمهيّجة للأشواق إلى عالم القدس محلّ تأمّل.
فحينئذ ان ثبت الإجماع في غير الغناء على سبيل اللهو كان متّبعا ، وإلّا بقي حكمه على أصل الإباحة.
ثمّ ذكر استثناء الحدى ، وفعل المرأة له في الأعراس ... الى أن قال : وعن بعضهم استثناء مراثي الحسين عليهالسلام (١).
أقول : قد ظهر ممّا سمعت أنّ عروض الشبهة في هذه المسألة القطعيّة إنّما حصل لبعض الأمور أو كلّها :
أحدها : الوسوسة في أصل الحرمة ، وقد عرفت أن عليها الضرورة القطعيّة ، فضلا عن الإجماع بقسميه ، والآيات ، والاخبار المتواترة.
وأمّا ما في خبر عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام المرويّ في «قرب الإسناد» قال : سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر ، والأضحى ، والفرح؟
__________________
(١) مكاسب الشيخ المطبوع بالنجف الأشرف بتحقيق كلانتر ج ٣ ص ٢٤٣ إلى ص ٢٦٧.