لا ريب في كون القرآن معجزة من معجزات سيّد الأنام عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام ، باقية على مرّ الدهور والأعوام والشهور والأيّام ، وإنّما الكلام في جهة إعجازه وكيفيّته ، فاختلفوا فيه على أقوال :
أحدها : أنّه معجز بفصاحته ، ذهب إليه كثير من المتكلمين ، واختاره الجبّائيان (١) ، والرازي ، والمحكىّ عن الفاضل العلّامة أعلى الله مقامه ذلك في «المناهج» وهو الظاهر منه في كتابه «نهج المسترشدين» ويظهر أيضا من علماء المعاني والبيان حيث ذكروا أنّ من فوائده كشف الأستار عن وجوه الإعجاز في نظم القرآن.
ولا ينافيه ما ذكره بعضهم من أنّ مدرك الأعجاز هو الذوق ليس إلّا ، سيّما بعد تصريحهم بأنّ وجه الإعجاز أمر من جنس الفصاحة والبلاغة ، نعم عن بعضهم أنّه لا علم بعد علم الأصول اكشف للقناع عن وجه الإعجاز من هذين العلمين ، وفيه إيماء إلى أنّ من وجوه الإعجاز أيضا عنده اشتماله على العلوم الحقيقيّة والمعارف الربانية.
__________________
(١) الجبّائيان : هما أبو على محمّد بن عبد الوهاب كان من الأئمّة المعتزلة ورئيس علماء الكلام في عصره ، ولد في جبّا (خوزستان) واشتهر في البصرة ، وتوفي فيه سنة (٣٠٣) ه تنسب إليه الطائفة الجبّائيّة ، وابنه أبو هاشم عبد السلام ابن محمّد ، هو أيضا من كبار المعتزلة نسب إليه الطائفة البهشميّة ، تعلّم على أبيه ، وتوفّى ببغداد سنة (٣٢١ ه).