اعلم أن العلم التفصيلي بهذا الباب لا يحصل إلا لمن آتاه الله علم الكتاب ، وفصل الخطاب ، وميّز القشر من اللّباب ، وكان واقفا مقيما في الكون الكبير على باب الأبواب ، لإطاعه على حقائق الملك والملكوت ، وإفاضته على سرادق سلطان الجبروت ، ودوام فقره وعبوديته وانقطاعه الى الحّي الذي لا يموت ، كي يطّلع بعد ذلك بما هنالك من أسرار التشريع والتكوين ، وينطبق عنده إشارات التدوين ، وأما نحن ومن هو في درجتنا فإنّما آمنّا بذلك من جهة الإيمان بالغيب الذي هو من مراتب الإيمان ودرجات التقوى وذلك لما تقرر عندنا من مساوقة التدوين للتكوين بعد ما استفاضت به الأخبار من أن نبينا صلىاللهعليهوآله قد أشهده الله خلق خلقه ، وولّاه ما شاء من أمره وانّه صلىاللهعليهوآله وآله يعلمون جميع ما في السّماوات والأرض وما فيهن وما بينهن وما فوقهن وما تحتهن ، كل ذلك علم إحاطة ، كما ورد في بعض الأخبار. ويشهد له الإعتبار ، أو علم اخبار كما هو القدر المعلوم من الشريعة.
هذا مضافا الى الآيات والأخبار الدالّة على اشتماله على كل شيء من التكوينات والتشريعات ، كقوله : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (١) ، وقوله : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (٢) ، بناء على إرادة الكتاب منه ، وقوله :
__________________
(١) الأنعام : ٣٨.
(٢) يس : ١٢.