الوثوق بأن الخبر الموافق المعارض بالمخالف لا يخلو من الخلل صدورا أو جهة ، ولا بأس بالتعدي منه إلى مثله ، كما مر آنفا (١).
______________________________________________________
(١) حاصله : ان الوجه الثالث وهو التعليل لترجيح الخبر المخالف للعامة على الموافق لهم بان الرشد في خلافهم مرجعه الى كون تقديم الخبر المخالف اقرب الى الواقع ، فالمراد من الرشد هو القرب الى الواقع ، فيتعدى منه الى كل مزية توجب القرب الى الواقع.
وقد اورد عليه المصنف بوجهين :
الاول : ما اشار اليه بقوله : «فلاحتمال ان يكون الرشد في نفس المخالفة لحسنها». وتوضيحه : ان الرشد الذي كان تعليلا لتقديم الخبر المخالف للعامة يحتمل فيه وجهان : الاول : ان يكون نفس مخالفتهم والخلاف عليهم رشدا ، وذلك حيث قاوموا الحق ورفعوه عن اهله ، فنفس الخلاف عليهم ومقابلتهم عملا رشد لانه بنفسه حسن ، كما ورد مثله في اليهود : خالفوهم ما استطعتم. ويشهد لهذا الوجه ما ورد في بعض اخبار مخالفة العامة : (خالفوهم فانهم ليسوا من الحنيفية في شيء) (١) وعلى هذا فيكون التعليل بالرشد اجنبيا عن افادة ان المناط فيه هو القرب الى الواقع ، لوضوح كون الرشد هو نفس الخلاف عليهم ، لا ان ما فيه المخالفة لهم هو الرشد.
الايراد الثاني : مبناه ان يكون المراد من الرشد هو الوجه الثاني ، وهو ـ ايضا ـ ذو وجهين : الاول : ان يكون المراد من الرشد الذي كان علة للاخذ بالخبر المخالف هو غلبة موافقة الخبر المخالف للواقع ، كما يشهد له ما ورد من انه فيه الحق ، فانه ظاهر في ان المراد منه هو الواقع ، لظهور كون الخبر المخالف فيه الحق هو ان فيه موافقة للواقع ، ولازم كون الحق في الخبر المخالف هو الخلل الاجمالي في الخبر الموافق ، اما من حيث صدوره او من حيث جهة صدوره ، فلا يكون مشمولا لادلة الاعتبار بعد
__________________
(١) اورد الحديث بالمضمون راجع الوسائل ج ١٨ ، ٨٥ / ٣٢ ، باب ٩ من ابواب صفات القاضي.