فكيف قال هنا (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ؟!)
قلت : قيل : نزلت سورة هود أولا ، لكن أنكره المبّرد وقال : بل سورة يونس أولا ، قال : ومعنى قوله في سورة يونس : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) أي في الإخبار عن الغيب ، والأحكام ، والوعد والوعيد ، فعجزوا ، فقال لهم في سورة هود : إن عجزتم عن ذلك ، فأتوا بعشر سور مثله في البلاغة ، لا في غيره مما ذكر ، وما قاله هو المتّجه. هذا وتحرير الأول ، مع زيادة أن يقال : إنّ الإعجاز وقع أولا بالتحدّي بكل القرآن في آية : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ) [الإسراء : ٨٨] فلمّا عجزوا تحدّاهم ـ بعشر سور ، فلما عجزوا تحدّاهم بسورة ، فلما عجزوا تحدّاهم ـ بدونها بقوله : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) [الطور : ٣٤].
٦ ـ قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) [هود : ٢٣].
قال ذلك هنا ، وقال في النّحل : (هُمُ الْخاسِرُونَ) لأنّ ما هنا نزل في قوم صدّوا عن سبيل الله ، وصدّوا غيرهم ، فضلّوا وأضلّوا.
وما هناك نزل في قوم صدّوا عن سبيل الله ، فناسب في الأول : (الْأَخْسَرُونَ) وفي الثاني : (الْخاسِرُونَ.)
٧ ـ قوله تعالى : (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ ..) [هود : ٢٨].
قال هنا بتقديم (رَحْمَةً) على الجارّ والمجرور ، وعكس بعد في قوله : (وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً) وفي قوله : (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) ليوافق كلّ منهما ما قبله ، إذ الأفعال المتقدمة هنا وهي : " ترى ، نرى ، ونظنّ" لم يفصل بينهما وبين مفاعليها جارّ ومجرور ، والفعل المتقدّم بعد ، وهو" كان" في الثاني و" نفعل" في الثالث ، فصل بينه وبين مفعوله جارّ ومجرور ، إذ خبر" كان" كالمفعول.
فإن قلت : لم قال في الأوّلين : (وَآتانِي) وفي الثالث : (وَرَزَقَنِي؟!)
قلت : لأنّ الثالث تقدّمه ذكر الأموال ، وتأخرّ عنه قوله : (رِزْقاً حَسَناً) وهما خاصّان ، فناسبهما قوله : (وَرَزَقَنِي) بخلاف الأوّلين فإنه تقدّمهما أمور عامة ، فناسبها قوله : (وَآتانِي.)
٨ ـ قوله تعالى : (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ ..) [هود : ٢٩].