جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) إلى آخره ، وهو بالخطاب ، ثم انتقل إلى الغيبة فقال : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) فلو ترك (هُمْ) لالتبست الغيبة بالخطاب ، بأن تبدل الياء تاء.
١٧ ـ قوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ) [النحل : ٧٣].
غلب فيه من يعقل ، على من لا يعقل ، فعبر بالواو والنون ، إذ في من يعبد ، من يعقل كالعزير ، والمسيح ، ومن لا يعقل كالأصنام ، وأفرد (يَمْلِكُ) نظرا إلى لفظ (ما) وجمع نظرا إلى معناها (١) ، كما قال تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) [الزخرف : ١٣].
فإن قلت : ما فائدة نفي استطاعة الرزق ، بعد نفي ملكه؟!
قلت : ليس في (يَسْتَطِيعُونَ) ضمير مفعول هو الرزق ، بل الاستطاعة منفية عنهم مطلقا ، في الرزق وغيره ، وبتقدير أن فيه ضميرا ، لا يلزم من نفي الملك نفي استطاعته ، لجواز بقاء الاستطاعة على اكتساب الملك ، بخلاف هؤلاء فإنهم لا يملكون ، ولا يستطيعون أن يملكوا!!
١٨ ـ قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) [النحل : ٧٥] الآية.
فائدة ذكره (مَمْلُوكاً) بعد قوله (عَبْداً) الاحتراز عن الحر ، فإنه عبد الله تعالى ، وليس مملوكا لغيره ، وفائدة (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) بعد قوله (مَمْلُوكاً) الاحتراز عن المأذون له ، والمكاتب ، لقدرتهما على التصرف استقلالا.
١٩ ـ قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [النحل : ٧٥].
إن قلت : لم جمع ولم يثن ، مع أن المضروب به المثل اثنان : مملوك ، ومن رزقه الله رزقا حسنا؟!
قلت : جمع باعتبار جنسي المماليك ، والمالكين ، أو نظرا أن أقل الجمع اثنان.
__________________
(١) سورة الزخرف ، آية (١٣).