قوله : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ؟) وقوله : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ؟!)
قلت : فائدتها تمييزهما في الاستدلال على وجود الصّانع.
أم الأول : فإن أقرب ما للإنسان نفسه ، وما يشاهده من تغييراته ، وانتقاله من ابتداء ولادته.
وأمّا الثاني : فلما تضمّنه ذكر المشرق والمغرب وما بينهما ، من بديع الحكمة في تصريف الليل والنهار ، وتغيير الفصول بطلوع الشمس من المشرق ، وغروبها في المغرب ، على تقدير مستقيم في فصول السنة.
فإن قلت : لم قال أوّلا : (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) وثانيا : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ؟)
قلت : لاطفهم أولا بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) فلما رأى عنادهم خاشنهم بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) وعارض به قول فرعون : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ.)
٦ ـ قوله تعالى : (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) [الشعراء : ٢٩].
إن قلت : لم عدل إليه عن" لأسجننّك" مع أنه أخصر منه؟
قلت : لإرادة تعريف العهد ، أي لأجعلنك مّمن عرفت حالهم في سجني ـ وكان إذا سجن إنسانا طرحه في هوّة عميقة مظلمة ، لا يبصر فيها ولا يسمع.
٧ ـ قوله تعالى : (قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٥٠].
قاله هنا بحذف لام التأكيد ، وفي الزخرف بإثباتها ، لأنّ ما هنا كلام السحرة حين آمنوا ، ولا عموم فيه فناسب عدم التأكيد ، وما في الزخرف (١) عامّ لمن ركب سفينة أو دابة فناسبه التأكيد.
٨ ـ قوله تعالى : (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء : ٦١].
إن قلت : قضيته أن كل جمع منهما رأى الآخر ، لأن الترائي تفاعل ، مع أنّ كلا
__________________
(١) في الزخرف (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) (١٤).