منها لم ير الآخر (١) ، لأن الله تعالى أرسل غيما أبيض ، فحال بينهما حتى منع الرؤية؟
قلت : الترائي يستعمل بمعنى التقابل ، كما في خبر" المؤمن والكافر لا يتراءيان" أي : لا يدانيان ولا يتقابلان.
٩ ـ قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ) [الشعراء : ٧٠].
قاله في قصة إبراهيم هنا بدون ذكر" ذا" وفي" الصافات" بذكره ، لأن" ما" لمجرد الاستفهام ، فأجابوا بقولهم (قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً) و (ما ذا) فيه مبالغة ، لتضمنه معنى التوبيخ ، فلما وبّخهم ولم يجيبوه ، زاد على التوبيخ فقال : (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ. فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) فذكر في كل سورة ما يناسب ما ذكر فيها.
١٠ ـ قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ. وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) [الشعراء : ٧٨].
زاد (فَهُوَ) عقب الذي في الإطعام والسقي ، لأنهما مّما يصدران من الإنسان عادة ، فيقال : زيد يطعم ويسقي ، فذكر (فَهُوَ) تأكيدا إعلاما بأن ذلك منه تعالى ، لا من غيره ، بخلاف الخلق ، والموت ، والحياة ، لا تصدر من غير الله .. ويجوز في (الَّذِي خَلَقَنِي) النصب ، نعتا لربّ العالمين ، أو بدلا ، أو عطف بيان ، أو بإضمار أعني .. والرفع خبرا لضمير" الذي" أو مبتدأ خبره الجملة بعده ، ودخلت عليه الفاء على مذهب الأخفش ، من جواز دخولها على خبر المبتدأ نحو : زيد فاضربه ، وقيل : دخلت عليه لما تضمّنه المبتدأ من معنى الشرط لكونه موصولا ، وردّ بأن الموصول هنا معيّن لا عامّ.
وقوله : (وَإِذا مَرِضْتُ) لم يقل : أمرضني ، كما قال قبله : (خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) لأنه كان في معرض الثناء على الله تعالى ، وتعداد نعمه ، فأضاف ذينك إليه تعالى ، ثم أضاف المرض إلى نفسه تأدبا مع الله تعالى ، كما في قول الخضر (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) [الكهف : ٧٩] وإنما أضاف الموت إلى الله تعالى في قوله (وَالَّذِي يُمِيتُنِي) لكونه سببا للقائه الذي هو من أعظم النّعم.
__________________
(١) هذا القول غير مسلّم به ، وليس هنالك نص صريح واضح على أنه حال بين الرؤية الغيم.
انظر : صفوة التفاسير ٢ / ٣٨٢.