إن قلت : (يُبَيِّنْ) تقتضي شيئين فأكثر ، فكيف دخلت على (ذلِكَ) وهو مفرد؟
قلت : (ذلِكَ) يشار به إلى المفرد ، والمثنّى ، والمجموع ، ومنه قوله تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ٥٨].
وقوله : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران : ١٨٦].
وقوله : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ) [آل عمران : ١٤] ثم قال : (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا.)
فالمعنى : عوان بين الفرض والبكر (١).
٣٨ ـ قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ.)
فإن قلت : ما فائدة ذكر اليد ، مع أنّ الكتابة لا تكون إلا بها؟
قلت : فائدته تحقيق مباشرتهم ما حرّفوه بأنفسهم ، زيادة في تقبيح فعلهم.
٣٩ ـ قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً.)
إن قلت : لم قال هنا (مَعْدُودَةً ،) وفي آل عمران (مَعْدُوداتٍ) (٢)؟
قلت : إشارة إلى الجمع بين الأصل والفرع ، إذ الأصل في الجمع بالألف والتّاء إذا كان واحده مذكّرا ، أن يقتصر في الوصف على تأنيثه مفردا ، كقوله تعالى : (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) [الغاشية : ١٣] وقد يأتي" سرر مرفوعات" على الجمع ، فهو فرع عن الأول ، فذكر في البقرة على الأصل ، لكونها أول ، وفي آل عمران على الفرع.
٤٠ ـ قوله تعالى : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ.)
فإن قلت : التولّي والإعراض واحد ، فلم جمع بينهما؟
قلت : لا محذور فيه لأن قوله : (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) حال من فاعل توليتم ، فهي حال مؤكّدة ، كما في قوله تعالى : (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ،) أو مؤسسة إذ المعنى : ثم وليتم عن الوفاء بالعهد ، وأنتم معرضون عن النظر والفكر في عاقبة ذلك.
٤١ ـ وقوله تعالى : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ.)
__________________
(١) معنى" العوان : الوسط ، و" الفارض" و" البكر" الفتيّة.
(٢) في قوله تعالى (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) آل عمران : ٢٤.