إن قلت : كلّ منهما مقيّد بالآخر ، فلا بد من الجمع بينهما.
١٨ ـ قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) كرّر (اصْطَفاكِ) لأن الاصطفاء الأول للعبادة التي هي خدمة" بيت المقدس" وتخصيص مريم بقبولها النّذر مع كونها أنثى ، والاصطفاء الثاني لولادة عيسى.
١٩ ـ قوله تعالى : (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ)
قال هنا : (وَلَدٌ) وفي مريم : (غُلامٌ.)
لأن ذكر المسيح تقدّم هنا وهو ولدها ، وفي مريم تقدّم ذكر الغلام.
٢٠ ـ قوله تعالى : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ.)
إن قلت : كيف نفى وجود النبي صلىاللهعليهوسلم في زمن مريم ، مع أنه معلوم عندهم ، وترك ما كانوا يتوهمونه من استماعه ذلك الخبر من حفّاظه؟
قلت : لأنهم يعلمون أنه صلىاللهعليهوسلم أميّ لا يقرأ ولا يكتب ، وإنما كانوا منكرين للوحي ، فنفى الله الوجود الذي هو في غاية الاستحالة ، على وجه التهكّم بالمنكرين للوحي ، مع علمهم أنه لا قراءة له ولا رواية.
٢١ ـ قوله تعالى : (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ.)
فيه التفات إذ القياس : " ابنك".
فإن قلت : كيف قال (ابْنُ مَرْيَمَ) والخطاب معها ، وهي تعلم أنّ الولد الذي بشّرت به يكون ابنها؟
قلت : لأن النّاس ينسبون إلى الآباء ، لا إلى الأمهات ، فأعلمت بنسبته إليها أنه يولد من غير أب ، فلا ينسب إلا إلى أمه.
٢٢ ـ قوله تعالى : (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ.)
إن قلت : أيّ معجزة لعيسى عليهالسلام في تكليمه النّاس كهلا؟
قلت : معناه تكلّمه في الحالتين بكلام الأنبياء ، من غير تفاوت بين الطفولة والكهولة التي يستحكم فيها العقل وتنبّأ فيها الأنبياء.
وقال الزجّاج : هذا أخرج مخرج البشارة لمريم ، ببقاء" عيسى" إلى وقت الكهولة.
٢٣ ـ قوله تعالى : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ