فإن قلت : ظاهر الآية يقتضي عدم وجوب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر؟
قلت : لا نسلّم ذلك ، فإنها إنما تقتضي أن المطيع لا يؤاخذ بذنوب المضل. أو لأن الآية مخصوصة بما إذا خاف الإنسان ، عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، على نفسه ، أو عرضه ، أو ماله.
٤٥ ـ قوله تعالى : (قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [المائدة : ١٠٩].
إن قلت : كيف قال ذلك ، مع أنهم عالمون بماذا أجيبوا؟
قلت : هذا جواب دهشة وحيرة ، حين تطيش عقولهم من زفرة جهنّم.
أو المعنى : لا علم لنا بحقيقة ما أجابوا به ، لأنّا لا نعلم إلا ظاهره ، وأنت تعلم ظاهره وباطنه ، بدليل آخر الآية.
وقيل : المراد منه المبالغة في تحقيق نصيحتهم ، كمن يقول لغيره : ما تقول في فلان؟! فيقول : أنت أعلم به منّي ، كأنّه قيل : لا يحتاج فيه إلى شهادة لظهوره.
٤٦ ـ قوله تعالى : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) [المائدة : ١١٢] الآية.
فإن قلت : كيف قال الحواريّون ذلك وهم خلّص أتباع عيسى وهو كفر ، لأنه شكّ في قدرة الله تعالى وذلك كفر؟!
قلت : الاستفهام المذكور ، استفهام من الفعل ، لا من القدرة ، كما يقول الفقير للغني القادر : هل تقدر أن تعطيني شيئا ، وهذه تسمّى استطاعة المطاوعة ، لا استطاعة القدرة.
والمعنى : هل يسهل عليك أن تسأل ربك؟ كقولك لآخر : هل تستطيع أن تقوم معي؟ وأنت تعلم استطاعته لذلك.
فإن قلت : لو كان مرادا ، لما أنكر عليهم عيسى بآخر الآية؟
قلت : إنكاره عليهم إنّما كان لإتيانهم بلفظ ، لا يليق بالمؤمن المخلص ذكره.
٤٧ ـ قوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) [المائدة : ١١٦] الآية.
إن قلت : كيف قال عيسى ذلك ، مع أنّ كل ذي نفس فهو ذو جسم ، لأن النّفس جوهر قائم بذاته ، متعلّق بالجسم تعلّق التدبير ، والله منزه عن ذلك؟