قلت : النّفس كما تطلق على ذلك ، تطلق على ذات الشيء وحقيقته ، كما يقال : نفس الذّهب والفضّة محبوبة أي : ذاتهما ، والمراد هنا الثاني.
٤٨ ـ قوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) [المائدة : ١١٧].
فإن قلت : كيف قال ذلك ، مع أنه غبر لهم أيضا غير ما ذكر؟
قلت : معناه : " ما قلت لهم فيما يتعلّق بالإله".
فإن قلت : عيسى حيّ في السّماء ، فكيف قال : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي؟)
قلت : المراد بالتوفي النّوم كما مرّ ، مع زيادة في قوله في آل عمران : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ.)
مع أنّ السؤال إنّما يتوجّه ، على قول من قال : إنّ السؤال والجواب ، وجدا يوم رفعه إلى السّماء ، وأمّا من قال : إنهما يكونان يوم القيامة ـ وعليه الجمهور ـ فلا إشكال.
٤٩ ـ قوله تعالى : (قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩] الآية : أي : يوم القيامة.
فإن قلت : كيف قال ذلك ، مع أنّ الصّدق نافع في الدّنيا أيضا؟
قلت : نفعه بالنسبة إلى نفع يوم القيامة ، الذي هو الفوز بالجنّة ، والنّجاة من النّار كالعدم.
فإن قلت : إن أراد بالصّدق صدقهم في الآخرة ، فالآخرة ليست بدار عمل ، أو في الدنيا ، فليس مطابقا لما ورد فيه ، وهو الشهادة لعيسى بالصّدق ، بما يجيب به يوم القيامة؟
قلت : أراد به الصّدق المستمرّ بالصادقين ، في دنياهم وآخرتهم.
" تمت سورة المائدة"