مسرفين ومبادرين (أَنْ يَكْبَرُوا) أي خوفا من ان يكبروا فيأخذوا أموالهم منكم. ويحتمل أن يكون مفعولا لهما ، والتقدير لا تأكلوها لاسرافكم ومبادرتكم كبرهم. تفرطون في إنفاقها وتقولون ننفق كما نشتهي قبل ان يكبر اليتامى فينزعوها من أيدينا.
ولعل تقييد الأكل بما ذكره لزيادة قبحه ، ولاحتمال كونه في خاطر الاكلين. وإلّا فتحريم الأكل مطلقا قد بينه في مواضع من الكتاب العزيز ، بل تحريم الإسراف في نفسه ، إذ لا خصوصية له بمال اليتيم. ويحتمل أن يريد بالإسراف هنا زيادة على المعروف الذي يجوز اكله بالاية.
(وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) من أكل مال اليتيم ولا يطمع فيه وليقنع بما رزقه الله من الغنى إشفاقا على اليتيم وإبقاء على ماله [وفي «الكشاف» استعفف أبلغ من عف كأنه طالب زيادة العفة].
واختلف أصحابنا في كون الأمر للوجوب فلا يجوز له أكل ماله بوجه أو الاستحباب فذهب جماعة منهم إلى الأول نظرا الى ظاهر الأمر وكونه حقيقة فيه ، والى ذلك يذهب الشافعي ، وذهب آخرون الى الثاني نظرا إلى إشعار الاستعفاف باستحباب الترك وأولويته لا وجوبه. ولا ريب ان الاحتياط في الأول ، وعلى اعتباره فإنما هو فيمن يكون المال بيده أو صار وصيا باختياره ، أما غيره كمنصوب الحاكم فالظاهر أنه يجوز له أخذ أجرة المثل وان كان غنيا ويجوز للحاكم أن يجعل له جعلا إذا لم يوجد الباذل بغير عوض. وعلى هذا فإطلاق الآية مقيد بالوصي المتبرع دون من استأجره الحاكم.
وهل المراد الغنى في العرف أو في الشرع ، وهو من كان عنده قوت السنة له ولعياله؟ كل محتمل ، ولا يبعد الثاني للاحتياط ، ومقابلة الفقير وهو في الشرع من لا يكون عنده قوت السنة كذلك.
(وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) قدر كفايته وما لا بد منه من غير زيادة أو على قدر عمله الذي هو حفظ الأموال والأولاد وان كان زائدا عما يحتاج اليه من قدر الكفاية وسد الخلة ، أو أقل الأمرين من اجرة المثل وقدر الكفاية. ولا ريب في بعد