ناس من قبورهم يوم القيامة تؤجج أفواههم نارا. فقيل : يا رسول الله من هؤلاء فقرأ هذه الآية. ولعل ذكر البطن لتأكيد الأكل كما في طائر يطير بجناحيه.
(وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) أي يلزمون النار ويقاسون حرها ، يقال صلي بالأمر قاسى حره. والسعير بمعنى المفعول ، من أسعرت النار إذا ألهبتها. وفي الآية وعيد عظيم على أكل مال اليتيم بالظلم ، ومن ثم كان من الكبائر المعدودة بينهم.
وها هنا نكتة ، وهي انه تعالى أوعد مانع الزكاة بالكيّ وآكل مال اليتيم بامتلاء البطن من النار ، ولا شك ان هذا الوعيد أشد ، والسبب فيه ان الفقير غير مالك لجزء من النصاب حتى يملّكه المالك ، واليتيم مالك لماله ، فكان منع اليتيم أشنع. ولأن الفقير قادر على التكسب من وجه آخر ولا كذلك اليتيم فإنه عاجز ، فكان ضعفه أظهر وهذا من كمال عنايته تعالى بالضعفاء.
وقال تعالى في موضع آخر (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) لا تدنوا اليه فضلا عن ان تتصرفوا فيه ، وفي ذلك دلالة على كمال المبالغة بالاجتناب عنه (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) إلا بالطريقة التي هي أحسن ما يفعل بماله على حسب ما تقتضيه المصلحة كالحفظ والتعمير والتنمية الى غير ذلك مما فيه صلاحهم ويحكم العقل أنه أولى من تركه.
وقد روى الكليني في الحسن عن الكاهلي (١) قال : قيل لأبي عبد الله عليهالسلام : انا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام ومعهم خادم لهم ، فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ويخدمنا خادمهم وربما طعمنا فيه من عند صاحبنا وفيه من طعامهم ، فما ترى في ذلك؟ فقال : ان كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس وان كان فيه ضرر فلا. وقال : بل الإنسان على نفسه بصيرة فأنتم لا يخفى عليكم ، وقد قال الله تعالى (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ). ونحوها من الاخبار (٢) الدالة على اعتبار المصلحة ، وقد ذكر ذلك في
__________________
(١) الكافي ج ١ ص ٣٦٤ باب أكل مال اليتيم الحديث ٤ وهو في المرات ج ٤ ص ٣٩٥ ورواه في التهذيب ج ٦ ص ٣٣٩ بالرقم ٩٤٧.
(٢) انظر الوسائل الباب ١٠٠ الى ١٠٥ من أبواب ما يكتسب به ص ٥٥٨ ـ ٥٥٩ ج ٢ ط الأميري ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٥٤.