ومنه يلزم عدم انعقاده من غير لفظ أصلا بطريق أولى ، والشيخ لم يعتبر اللفظ بل اكتفى بعقده قلبا وان لم يتلفظ به ، وهو بعيد إذ لم يعلم إطلاق النذر على مثله ، مع أن الأصل براءة الذمة من الوجوب. أما الاستدلال عليه بقوله (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) ونحوه فغير واضح الدلالة ، فإن ظاهرها العقاب على أفعال القلب مع قصد المعصية. وفي غيرها من الآيات دلالة على ذلك أيضا ، كقوله (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً).
ولا ينافي ذلك ما دل على أن العقاب لا يكون الا مع الفعل ، فان قصد القبيح قبيح عقلا وشرعا ، الا ان العقاب عليه ليس بمثابة العقاب على الفعل ، وبذلك يحصل الجمع بين الأدلة.
الثانية : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (الدهر ٧ ـ ٩).
(إِنَّ الْأَبْرارَ) جمع بر كارباب أو جمع البار كأشهاد. قال في المجمع وقد أجمع أهل البيت عليهمالسلام وموافقوهم وكثير من مخالفيهم أنّ المراد بذلك علىّ وفاطمة والحسنان عليهمالسلام ، فالآية مع ما بعدها متعينة فيهم ، وقد انعقد الإجماع على كونهم أبرارا وفي غيرهم خلاف.
(يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) من خمر ، وهي في الأصل القدح يكون فيه (كانَ مِزاجُها)
__________________
ـ ١٦ وهو في المرات ج ٤ ص ٢٤٦) وغيرهما.
ولا يزاحمهما ما دل على التقييد فإنها مسوقة لبيان لزوم قصد القربة ولزوم ذكر الله في النذر لفظا أو في الضمير وعدم تعلقه بالمحرم لا لزوم التعليق وإجراء صيغة مخصوصة كما قد يتوهم ومن قال بعدم صدق اللفظ على المنشأ بغير الصيغة المخصوصة أو المنشأ في الضمير أو نذر التبرع أو شك في الصدق فلا يمكنه الأخذ بالإطلاق فيما شك فيه أو قطع بعدمه وقد قالوا ثبت العرش ثم نقش.
وحيث ان المختار عندي هو الصدق للتبادر وعدم صحة السلب والاطراد مؤيدا بما نقل عن أجلاء الفقهاء والمحدثين وفطاحل أهل اللغة فالحكم بانعقاد نذر التبرع والمنشأ بغير الصيغة المخصوصة والمنشأ بالعقد القلبي عندي أقوى والله العالم بحقائق الأمور.