ويمكن حملها على ما إذا طلقت بعد التّخيير وبذلك يحصل الجمع بين الرّوايات هذا.
وقد اختلف العامّة فيما يقع به فقالت الحنفيّة إذا قال لها اختاري فقالت اخترت نفسي أو قال اختاري نفسك فقالت اخترت وقعت طلقة بائنة ، على ما قاله في الكشاف لكن إذا كان في المجلس أو لم تشتغل بما يدلّ على الاعراض وقال الشافعي طلقة رجعية على ما قاله القاضي وهو قول أصحابنا الذاهبين الى ثبوت حكم التخيير الّا ابن الجنيد قال : إن كان عن عوض كان بائنا والا كان رجعيا كما سلف ، والاخبار الدالة عليه واردة على الوجهين معا ، وقد عرفت حملهما على التقية.
وقال مالك إذا اختارت نفسها وقعت ثلث تطليقات قالوا وفي تعليق التّسريح بارادتهنّ الدّنيا وجعله قسيما لارادتهنّ الرّسول صلىاللهعليهوآله دلالة على انّ المخيّرة إذا اختارت زوجها لم تطلق وادعى في الكشاف عليه إجماع فقهاء الأمصار وكأنّه لم يعتبر خلاف زيد بن ثابت حيث ذهب الى وقوع طلقة واحدة مع اختيارها زوجها ونحوه الحسن ولعلّ دفعه انّه لم ينقل عن النبيّ صلىاللهعليهوآله طلاقا بعد اختيار الأزواج له على ما روى ان عائشة اختارت رسول الله وكذا باقي نسائه ولم ينقل انّه طلاق بوجه.
الثّانية [الأحزاب : ٥٠] (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) أي من بعد التسع الّتي خيرتهنّ فاخترن الله ورسوله قيل انّ الله تعالى لما أمر رسوله بالتخيير بين نسائه كما دلّت عليه الآية السّابقة خيرهنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فاخترنه جميعا فشكر لهن فنزل النّهى عن التزوّج عليهنّ والتبدلّ بهن مكافأة لحسن صنيعهن معه واستمر ذلك إلى ان نسخ بقوله تعالى (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ) الآية.
وقيل معناه لا يحلّ لك النّساء من بعد النّساء اللّواتي احللناهنّ لك في قولنا (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) وسيجيء وحاصله انّه لا يحلّ لك النّساء من بعد اللّواتي نصّ على احلالهنّ من الأجناس الأربعة ، وامّا غيرهنّ من الكتابيات والامآء بالنّكاح ومن الاعرابيات ومن الغرائب فلا يحلّ لك التّزوج بهنّ وعلى هذا فليس في الآية تحريم غيرهن ولا المنع من طلاقهن.