لطلب زيادة المال ، فبين تعالى ان الربا سبب النقصان لا سبب النماء ، وان الصدقة سبب النماء لا النقصان ، فعلى العاقل أن لا يلتفت الى ما يقضى به الحس والطبع ويعول على ما ندب اليه العقل والشرع.
(وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ) مصرّ على تحليل المحرمات ، فعال من الكفر (أَثِيمٍ) منهمك في ارتكابه متماد في إثمه بأكله. وفي الآية تغليظ عظيم في أمر الربا وإيذان بأنه من فعل الكفار لا من فعل المسلمين. وفي المجمع وانما لم يقل كل كافر لأنه إذا استحل الربا صار كافرا ، وإذا كثر اكله له مع الاستحلال فقد ضم كفرا الى كفر.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) واتركوا بقايا ما اشترطتم على الناس من الربا (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بقلوبكم ، فان دليل الايمان امتثال ما أمرتم به.
قيل كان الوليد بن المغيرة في زمن الجاهلية يربي (١) ، وقد بقي له بقايا على ثقيف ، فأراد خالد بن الوليد المطالبة بها بعد ان أسلم ، فنزلت ، وهو المروي عن ابى جعفر عليهالسلام. وقيل كان لثقيف على قوم من قريش مال فطالبوهم عند المحل بالمال والربا فنزلت.
فان قيل : كيف قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ثم قال في آخره (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) قيل فيه وجوه : منها أن هذا كما يقال «ان كنت أخي فأكرمني» معناه من كان أخا أكرم أخاه. ومنها ان معناه ان كنتم تريدون استدامة الحكم لكم بالايمان. ومنها أن معناه يا أيها الذين آمنوا بلسانكم ذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين بقلوبكم.
وقد يستدل بظاهر الآية على أن الإنسان إنما يصير مؤمنا على الإطلاق مع تجنب كل الكبائر. ويجاب بأن المراد ان كنتم عاملين بمقتضى الأيمان ، فإن العمل لا يدخل في الايمان كما هو المذهب المنصور.
(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) ولم تتركوا البقايا من الربا (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) أي فاعلموا وتيقنوا ذلك من اذن بالشيء إذا علم به. وقرأ حمزة «فآذنوا» فأعلموا بها غيركم ، من الاذن وهو الاستماع فإنه من طريق العلم. وتنكير «حرب» للتعظيم. والمعنى
__________________
(١) انظر المجمع ج ١ ص ٣٩٢ وانظر أيضا الدر المنثور ج ١ ص ٣٦٤.