مقتضى تلك المعاملة مما فيه جور أو بخس] أي لا يغير ولا يبدل ، فيكون تأكيدا لسابقه أو أن ينفع الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها ، كقوله (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ).
وظاهر النهي تحريم امتناع الكاتب ، وهو يقتضي وجوبها عليه ، الا أن ظاهر الأكثر الوجوب كفاية لكونها في معنى الشهادة ، ولأنها من باب التعاون على البر والتقوى ، ولأنها من الأمور العامة البلوى ، واستلزام إهمالها الخلل بنظام العالم ، فتكون مستحبة بالنسبة الى كل واحد كما هو شأن الواجب كفاية ، ويؤيده تنكير كاتب. ولأن الفرض هو الكتابة من أي شخص يتأتى منه ذلك لا خصوصه.
وقيل كانت واجبة عينا فنسخت بقوله (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) وهو بعيد (فَلْيَكْتُبْ) تلك الكتابة التي علمه الله ، أمر بها بعد النهي عن الإباء عنها تأكيدا للحث عليها. ويجوز أن يتعلق الكاف بهذا الأمر [والتقدير ولا يأب كاتب أن يكتب ، وهنا يتم الكلام ثم قال بعده كما علمه الله فليكتب] فيكون النهي عن الإباء مطلقا ثم الأمر بالكتابة مقيدة. وفيه من المبالغات ما لا يخفى ، إذ الجمع بين النهي عن الترك والأمر بالفعل ادعى الى فعله من الاقتصار على أحدهما.
(وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) وليكن المملل من الذي عليه الحق ، لأنه المشهود عليه فيعتبر إملاله في ذلك ولا ينفع إملال غيره ، لأن الغرض الشهادة على ما في ذمته والإملال والإملاء واحد. ويستفاد منه وجوب الإقرار من صاحب الحق بما عليه منه حتى يشهد عليه.
(وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) في الإملال ، فلا ينقص من الحق الذي في ذمته شيئا لا من قدره ولا من صفته ، بل يجب عليه الإقرار بما كان في ذمته. وفيه تحذير عظيم من ترك الإقرار بما عليه من الحق كملا. وأكد بقوله (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ) ولا ينقص من الحق الذي عليه (شَيْئاً).
ويحتمل رجوع الأمر بالاتقاء الى الكاتب ، ويكون المراد بالبخس منه عدم نقصانه في الكتابة مما املى عليه ، وهو في معنى الكتابة بالعدل.