واجب في دين الربا بظاهر الآية وفي كل دين بالقياس عليه. ولعل نظر هذين القولين الى أن الآية السابقة في بيان حكم الربا ، فيكون هذه فيه أيضا وفيه نظر ، فان آيات القرآن لا تعلق لبعضها ببعض ، وانما المناط فيها دلالة اللفظ فحيث ثبت ثبت الحكم.
(وَأَنْ تَصَدَّقُوا) على الغريم بإبراء ما في ذمته (خَيْرٌ لَكُمْ) من الأنظار أو مما تأخذونه لكثرة ثوابه وتضاعفه ودوامه (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) حقيقة التصدق وما فيه من الثواب الجزيل والأجر الجميل والانظار وما فيه أيضا فإنكم ترجحون التصدق عليه. ويحتمل أن يكون المراد ان كنتم من أهل العلم والتمييز.
وفي الآية دلالة على صحة الإبراء بلفظ التصدق ، الا انه خلاف المشهور فيما بينهم.
وفيها أيضا دلالة على أنه خير من الانظار. ولا يرد أن الانظار واجب والإبراء مستحب والمستحب لا يكون أفضل من الواجب ، لأن الإبراء جامع للنظرة والصدقة ، وظاهر أن الجمع بين الواجب والمندوب خير من الواجب وحده. واعترض بأنه مع الإبراء لا انظار ، إذ هو انما يكون مع بقاء الحق لا مع زواله ، فلا وجه للجمع بينهما.
وأجيب بأنه لما كان الغرض من وجوب الانظار ترك المطالبة والتضييق على الغريم وهو متحقق مع الإبراء فكأنه جمع بينهما وكان الثواب المترتب عليه أكثر من ثواب الانظار وحده ، وهو كما ترى. والحق أن أفضلية المندوب على الواجب غير مستبعدة بل واقعة في أكثر الموارد فلا مانع من أن يكون هذا منها.
وقيل أراد بالتصدق هنا الانظار ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم (١) «لا يحل دين رجل مسلم فيؤخره الا كان له بكل يوم صدقة». وهذا القول مرغوب عنه ، فإن الانظار قد علم ما تقدم ، فلا بد من حمل هذا على فائدة جديدة ، ولأنه لا استبعاد في كون الإبراء
__________________
(١) أخرجه في الدر المنثور ج ١ ص ٣٦٩ عن احمد عن عمران بن حصين عن النبي (ص) وأخرجه في الكشاف ج ١ ص ٢٢٣ وفي الشاف الكاف المطبوع ذيله ذكر مصادره.