(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أي من حلاله أو من مستلذاته ، والأمر للإباحة لأن الله تعالى لا يريد المباحات من الأكل والشرب في دار التكليف.
(وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) ولا تتعدوا فيه فتأكلوه على غير وجه حدّه الله لكم كالسرف والبطر والمنع عن المستحق (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) فيلزمكم عذابي ويجب لكم ، من حلّ الدين إذا وجب أداؤه ، ومن قرأ بضم الحاء أراد النزول.
ثم انّه تعالى بيّن حال من يحلل عليه غضبه بقوله (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) فقد تردى وهلك ، أو وقع في الهاوية ، وأصله أن يسقط من علو إلى أسفل قال (١).
«هوى من رأس مرقبة |
|
ففتت تحتها كبده» |
وفي الآية دلالة على إباحة الأكل من مستلذات الأشياء التي رزقها الله لبني ـ آدم أو من حلالها ، وعلى تحريم التعدي فيه ، بمعنى الأكل من الوجوه المحرمة أو الخبيثة أو الأكل على غير الوجه الذي حده كالاسراف والبطر والمنع عن المستحق.
ويمكن ارادة الجميع ، فيكون التحريم متعلقا بكل واحد من الأمرين ، فإن من كان في ماله حق الفقراء كان لهم فيه حصة ، فيحرم عليه الأكل منه قبل دفع حصتهم إذ هو بمثابة أكل مال الغير الذي هو التعدي والطغى. ويمكن ترك الأكل على وجه حرّمه الله الى وجه اباحه الله واذن فيه ، وعلى وجه الطاعة أيضا ، كالاستعانة به على غيره من الطاعات.
الخامسة : (ق : ١١) (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ
__________________
(١) البيت لأعرابي سقط ابنه من جبل فمات فرثاه أبوه وقيل القائل أم القتيل أنشده في الكشاف عند تفسير الآية ج ٣ ص ٨٠ والمرقبة ثنية مرتفعة يرقب عليها يقول الشاعر سقط من رأس جبل فصارت كبده تحت المرقبة متفرقة ويروى ففزت بتشديد الزاي بمعنى فزعت وروى ففرت بتشديد الراء وأصله فريت وهذه لغة طي يقولون المرأة دعت في دعيت والدار بنت في بنيت وروى هوى عن صخرة صلد مكان من رأس مرقبة.