وفي الآية دلالة على إباحة أكل كل ما في الأرض لكل أحد حتى الكفار ، فان الخطاب لجميع أفراد الإنسان ، والأمر للإباحة بالمعنى الأعم الشامل للواجب والندب والمكروه والمباح أي لا يحرم عليكم الأكل من جميع ما تخرجه الأرض من الأرزاق التي يمكن أكلها إذا كانت مباحة طاهرة أو لذيذة يستطيبها الشرع أو الشهوة المستقيمة وعلى هذا فيندرج وجوب الأكل في بعض المواد منها.
وقد قيل ان سبب نزولها قوم حرموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس.
وفي مجمع البيان (١) نقلا عن ابن عباس أنها نزلت في ثقيف وبنى عامر بن صعصعة وبنى مدلج ، فإنهم حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام البحيرة والسائبة والوصيلة ، فنهاهم الله عن ذلك.
(وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) وساوسه وخواطره ، أو ما ينقلهم به من معصية إلى معصية ، من خطو القدم وهو نقلها من مكان الى مكان. أو لا تتبعوا الهوى في تحريم الحلال وتحليل الحرام [فان اتباع الهوى كذلك من تسويلات الشيطان] وعن الصادقين عليهمالسلام «ان من خطوات الشيطان الحلف بالطلاق والنذر في المعاصي وكل يمين بغير الله».
(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ظاهر العداوة عند ذي البصيرة ، وإن كان يظهر الموالاة لمن يغويه ، ومن ثمّ سماه وليا في قوله (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ).
وقد يستفاد من الآية تحريم متابعة كل عدو في الدين ، حيث علل تحريم متابعة الشيطان بكونه عدوا ، فيتحقق التحريم حيث ما ثبتت العلة. وحينئذ فيمكن القول بعدم جواز متابعة أعداء الدين فيما لم يعلم جوازه بالدليل ، فلا يجوز الاقتداء بهم في الصلاة ولا سماع حكمهم ولا نقل الرواية عنهم ، الى غير ذلك من الأمور التي لم يعلم جوازها إلا في حال التقية.
الرابعة : (طه : ٨١) (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى).
__________________
(١) المجمع ج ١ ص ٢٥٢.