وبالجملة مقتضى الآية الإباحة في جميع ما ذكر وان خلافها يتوقف على الدليل وقد ورد بتفاصيل المنع أدلة يعلم تفاصيلها من محلها.
(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) أي وما من شيء ينتفع به العباد الا ونحن قادرون على إيجاده وتكوين أضعاف ما وجد منه [لأن مقدوراته تعالى غير متناهية لكن الذي يخرج منها إلى الوجود يجب أن يكون متناهيا] فالكلام على التجوز إما على تشبيه اقتداره على كل شيء وإيجاده بالخزائن المودعة فيها الأشياء ، وإما على تشبيه مقدوراته بالأشياء المخزونة التي لا يحوج إلى كلفة واجتهاد.
(وَما نُنَزِّلُهُ) من بقاع القدرة (إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) نعلم أنه مصلحة ، فإنّ تخصيص بعض الاقدار بالإيجاد لا بد له من مخصص حكيم عارف بالمصالح.
وفي الحديث القدسي (١) «ان من عبادي من لا يصلحه إلا الغني ولو أفقرته لأفسده ، وان من عبادي من لا يصلحه الا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك».
وفيها أيضا دلالة على أن المخلوقات في الأرض مباحة للإنسان ، وهو في الأصل أيضا كذلك ، فقد تطابق العقل والنقل عليه.
الثالثة : (البقرة ١٦٨) (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ) يمكن أن يراد الأكل بخصوصه ، وان يراد جميع التصرفات ، وتخصيص الأكل لكونه الغرض الأصلي من التصرف.
(حَلالاً طَيِّباً) حالان عن المجرور ، أو أن يكون الأول مفعولا مطلقا أو مفعولا به والثاني صفته.
[والحلال المباح الذي انحلت عقدة الحظر عنه ، وأصله من الحل الذي هو نقيض العقد. والطيب بمعنى الطاهر ، وبمعنى ما يستلذ به ويستطاب. والحلال يوصف بالطيب ، كما أن الحرام يوصف بالخبيث].
__________________
(١) انظر الجواهر السنية ص ١١٦ مع تفاوت وهو في أصول الكافي باب الرضا بالقضاء الحديث ٤ وفي المرات ج ٢ ص ٨٥ وفي شرح ملا صالح المازندراني ج ٨ ص ١٩١.