وكيف كان فالمراد به العيال والخدم والمماليك ، بل الدواب وسائر ما تظنون أنكم ترزقونهم ظنا كاذبا ، فان الله يرزقهم وإياكم ، فظنكم انكم ترزقونهم باطل فاسد. وقد جرى ذلك بناء على ظاهر حال بعض الجهلة الذين يظنون ذلك ، بل يظهرونه ويمنون على هؤلاء ويقولون لو لم نكن لما قدرتم على المعيشة. ففيه تقريع لهم ودليل على تخطئتهم في ذلك القول واشارة إلى أنه لا وجه للمنة ولا لتوقع المكافاة والإحسان في مقابلة ذلك الرزق ، فإنه من الله تعالى وله المنة في الجميع.
وقد أشير إلى ذلك في بعض الأخبار الواردة عنهم عليهمالسلام (١) حيث قال لبعض أصحابه لما ذكر أنه يدخل عليه الضيفان والاخوان ويطعمهم «إن المنّة لهم عليك». قال : كيف ذلك وإنما أطعمهم من مالي ولهم المنة علي؟ قال عليهالسلام : نعم لأنهم يأكلون رزق الله الذي رزقهم ويحصّلون لك الثواب والأجر.
ولا يرد أن مثل العبيد والإماء والعيال داخلون في «لكم» ، لظهور أن المراد به جميع أفراد نوع الإنسان ، لأنه لما كان المراد دخول الدواب معهم وكان إطلاق «من» على غير ذوي العقول لا يحسن الا مع ارادة التغليب أطلق كذلك. ولا يبعد أن تكون الفائدة في ذكرهم مرة في ضمن المجموع ومرة على الخصوص لزيادة الاعتناء في رد ذلك الزعم الباطل ـ فتأمل.
وفي الآية دلالة على أن اباحة السكون في جميع أجزاء الأرض والانتفاع فيها بجميع ما يمكن من أقسام الانتفاع والتصرف بكل ما يمكن من أنواع التصرف وعلى اباحة جميع ما في الأرض من النبات وغيرها وأنها مخلوقة لانتفاع الإنسان ، فيباح له التصرف فيها بأي وجه أراد الّا أن يدل الدليل على المنع من التصرف في بعض قطع الأرض أو في بعض النبات أو يمنع من استعماله ، كتحريم تناول السموم المخلوقة لغرض آخر ، لما فيه من الضرر بالنفس ، وهو حرام قطعا.
__________________
(١) انظر الوسائل الباب ٣٠ والباب ٣٩ من أبواب المائدة ج ٣ ص ٢٦٩ وص ٢٧١ ط الأميري ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ٨٨ وص ٨٩ والبحار كتاب العشرة من ج ١٥ ص ٢٤٠ وص ٢٤٢.