أقول : وفيه مواقع للأنظار ، منها انك قد عرفت وسيمر تفصيله عند البحث عن حجية الاخبار ، انه ليس عن جعل الحجية والطريقية وتتميم الكشف في الاخبار والآيات خبر ولا أثر ، وان العمل بالأخبار كان امراً مسلما منذ قرون قبل الإسلام ، منذ قام للإنسانية عمود التمدن وان الشارع الصادع بالحق ترك اتباعه على ما كانوا عليه ، قبل ان ينسلكوا في سلك الإسلام ، بلا جعل ولا تأسيس ولا إمضاء لفظي ، وان كلما ورد من الروايات من التصريحات انما هو لتشخيص الصغرى وما هو موضوع لهذه الكبرى الكلية
والعجب انه قدسسره قد اعترف كراراً على انه ليس للشارع في تلك الطرق العقلائية تأسيس أصلا. ولكنه قد أسس في تقريراته هذا البنيان الرفيع الّذي لا يخرج عن حيطة التصور إلى مقام آخر الا بأدلة محكمة ، وليست منها في الاخبار عين ولا أثر.
ومنها ان تقسيم الحكومة إلى ظاهرية وواقعية ، تقسيم لها باعتبار متعلقها وهو ليس من التقسيمات المعتبرة وإلّا لكثرات الأقسام حسب كثرة التعلق فان المتصف بالظاهرية والواقعية انما هي الأحكام ، دون الحكومة ، فان الحكومة قد تكون متعلقها ، الأدلة الواقعية مثل قوله عليهالسلام الصلاة بالبيت طواف ، وقد تكون متعلقها غير الأحكام الواقعية ، كما في الأمثلة التي ذكره قدسسره.
في قيام الأصول مقام القطع
اما غير المحرزة منها أعني ما يظهر من أدلتها انها وظائف مقررة للجاهل عند تحيره وجهله بالواقع كأصالتي الطهارة والحلية وأشباههما ، فلا معنى لقيامها مقام القطع مطلقا ، لعدم وجه التنزيل بينهما أصلا.
واما المحرزة والأصول التنزيلية أعني الاستصحاب وقاعدة التجاوز واليد وغيرهما فلا بأس لنا ان نتعرض حالها حسب اقتضاء المقام.