النّفس ، انما تتبع لوجود مباديها ، فان لكل من هذه العوارض مباد وعلل ، تستدعى وجود تلك العوارض مثلا : العلم بوجود الباري وعظمته وقهاريته ، يوجب الخضوع والخشوع لدى حضرته جلت كبرياؤه ، والخوف من مقامه ، والعلم برحمته الواسعة ، وجوده الشامل ، وقدرته النافذة ، يوجب الرجاء والوثوق ، والتطلب والتذلل ، وكلما كملت المبادي ، كملت النتائج ، بلا ريب
فظهر ان تلك العوارض ، نتائج قهرية لا تستتبعه إرادة ولا اختيار ، وانما يدور مدار وجود مباديها المقررة في محله وعند أهله
الثالث : وهو أهم المطالب : ان التسليم القلبي ، والانقياد الجناني ، والاعتقاد الجزمي لأمر من الأمور ، لا تحصل بالإرادة والاختيار ، من دون حصول مقدماتها ومباديها ولو فرضنا حصول عللها وأسبابها ، يمتنع تخلف الالتزام والانقياد القلبي عند حصول مباديها ، ويمتنع الاعتقاد بأضدادها ـ فتخلفها عن المبادي ممتنع ، كما ان حصولها بدونها أيضا ممتنع.
والفرق بين هذا المطلب ، وما تقدمه أوضح من ان يخفى ، إذا البحث في المتقدم عن الكبرى الكلية من ان العوارض القلبية لا تحصل بالإرادة والاختيار ، وهنا عن الصغرى الجزئية لهذه القاعدة ، وهي ان التسليم والانقياد من العوارض القلبية ، يمتنع حصولها بلا مباديها ، كما يمتنع حصول أضدادها عند حصولها ، فمن قام عنده البرهان الواضح بوجود المبدأ المتعال ووحدته ، لا يمكن له عقد القلب عن صميمه بعدم وجوده وعدم وحدته : ومن قام عنده البرهان الرياضي على ان زوايا المثلث مساوية لقائمتيه ، يمتنع مع وجود هذه المبادي ، عقد القلب على عدم التساوي فكما لا يمكن الالتزام على ضد امر تكويني مقطوع به ، فكذلك لا يمكن عقد القلب على ضد امر تشريعي ثبت بالدليل القطعي.
نعم لا مانع من إنكاره ظاهراً ، وجحده لساناً لا جنانا واعتقاداً ، وإليه يشير قوله عزوجل وجحدوا بها ، واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعتواً.
وما يقال من ان الكفر الجحودي يرجع إلى الالتزام القلبي على خلاف اليقين