مثل تلك الإرادة على جعل الوسطية للطرق التي ربما يوجب تفويت الواقع ، فان ذلك الجعل يلازم الترخيص الفعلي في مخالفة الأحكام الواقعية
وقياس جعل الوسطية في الإثبات ، بالعلم المخالف للواقع أحيانا ، قياس مع الفارق فان العمل بالعلم المخالف ، ليس ترخيصا من الشارع في مخالفة الأحكام الواقعية ، وانما هو ضرورة ابتلي به المكلف لا من جانب الشارع ، بل لقصور منه ، وهذا بخلاف ، جعل الحجية على الأمارة المؤدية إلى خلاف الواقع.
هذا كله إذا قلنا ببقاء الواقع على ما عليه من الفعلية ، أي باعثا وزاجرا ، واما إذا قلنا بأنه يصير إنشائيا ، أو فعليا بمرتبة دون مرتبة ، وان الشارع قد رفع اليد لأجل مصالح اجتماعية عن تلك الواقعيات ، فلا مضادة ولا منافاة بين الواقعي والظاهري ، ولا يحتاج إلى إتعاب النّفس ، وعقد هذه المباحث.
وبذلك يظهر ما في كلام المحقق الخراسانيّ : حيث تخلص عن كافة الإشكالات بان الحجية غير مستتبعة لإنشاء أحكام تكليفية ، فان هذا التقريب لا يحسم مادة الإشكال كالقول بان أحدهما طريقي والآخر واقعي ، فان جعل الحجية والطريقية لما كان ينتهى أحيانا إلى مخالفة الواقع ومناقضته ، لا تجتمع مع فعلية الأحكام الواقعية.
ما أفاده في الأصول المحرزة
ثم انه أفاد فيها ما هذا حاصله : ان المجعول فيها هو البناء العملي على أحد طرفي الشك على انه الواقع ، وإلغاء الطرف الآخر ، وجعله كالعدم ، ولأجل ذلك قامت مقام القطع الطريقي ، فالمجعول فيها ليس امرا مغايرا للواقع ، بل الجعل الشرعي تعلق بالجري العملي على المؤدى على انه هو الواقع ، كما يرشدنا إليه قوله عليهالسلام في بعض اخبار قاعدة التجاوز : بأنه قد ركع ، فان كان المؤدى هو الواقع فهو ، وإلّا كان الجري العملي واقعا في غير محله من دون ان يتعلق بالمؤدى حكم على خلاف ما هو عليه ، فلا يكون ما وراء الحكم الواقعي حكم آخر حتى يناقضه ويضاده انتهى.