العقاب في هذا الظرف فهو متين ، غير ان ذلك لا يوجب ان يكون المجعول في رتبة الجعل امرا تخييريا ضرورة ان المقنن ، لا نظر له إلى مقام الامتثال ، بل هو امر خارج عن حيطة الشارع المقنن ، بل هو من الأمور التي زمامها بيد العقل ، ولو فرض ورود خطاب من الشارع في مقام الامتثال فهو خطاب لا بما هو مشرع ، بل يتكلم من جانب العقلاء مع قطع النّظر عن كونه مشرعا ومقننا وبالجملة : لا فرق بين الصورة الأولى والثانية الا من ناحية المخصص فان المخصص في الأولى دليل لفظي مجمل دائر بين الأقل والأكثر ، وفي الثانية عقلي يحكم بخروج القدر المتيقن من العام (نعم) لو بنينا على ان التكليفين يسقطان معا ويستكشف العقل لأجل الملاك التام حكما تخييريا يمكن ان يقال : ان التخيير بينهما انما يكون لأجل المدلول لا الدليل على إشكال فيه لكنه على خلاف مسلكه.
الثالث : ان لنا ان نقول ان التخيير بين الأصلين المتعارضين من مقتضيات الدليل والكاشف ، ومن مقتضيات المنكشف والمدلول (اما الأول) : فبان يقال ان قوله عليهالسلام كل شيء فيه حلال وحرام إلخ يدل على حلية كل مشتبه ، وله عموم افرادي وإطلاق أحوالي ولكن الاذن في حلية كل واحد يوجب الاذن في المعصية والترخيص في مخالفة المولى ، وبما ان الموجب لذلك هو إطلاق دليل الأصلين لا عمومه فيقتصر في مقام العلاج إلى تقييده وهو حلية ذاك عند عدم حلية الآخر حتى لا يلزم خروج كل فرد على نحو الإطلاق ، فيكون مرجع الشك إلى الجهل بمقدار الخارج ، فالعموم حجة حتى يجيء الأمر البين على خلافه و (الحاصل) كما ان الموجب للتخيير في الصورة الأولى هو اجتماع دليل العام وإجمال دليل الخاصّ بضميمة وجوب الاقتصار على القدر المتيقن في التخصيص ، كذلك اجتماع دليل الأصول مع لزوم التخصيص (حذرا من المخالفة العملية) ودورانه بين خروج الفردين مطلقا وفي جميع الأحوال أو خروج كل منهما في حال عدم ارتكاب الآخر ، موجب للتخيير في المقام ، بل ما نحن فيه أولى منه لأن المخصص هنا عقلي والعقل يحكم بان ما يوجب الامتناع هو إطلاق الدليل لا عمومه الأفرادي فليس المخصص (حكم العقل) مجملا دائرا بين الأقل والأكثر كما في