العقلاء في وضع قوانينهم ، فترى ان قوانينه الكلية مذكورة في الكتاب والسنة منفصلة عن مخصصاتها ومقيداتها ، وتكون تلك الأحكام المدونة فيهما في معرض التخصيص والتقييد كما هو الحال في القوانين السياسية والمدنية عند العقلاء و (ما هذا حاله) لا يمكن التمسك فيها بالأصول بمجرد العثور على عمومات أو مطلقات من غير فحص ، لما تقدم من ان مجرد ظهور الكلام وإجراء أصالة الحقيقة وعدم القرينة لا يفيد شيئا ، حتى يحرز ان الإرادة الاستعمالية مطابقة للإرادة الجدية ، بحيث لو لا هذا الإحراز لاختل نظام الحجية وكون العام في معرض التدافع والتعارض ، يمنعهم عن إجراء أصالة التطابق بين الاستعمال والجد ، وقد عرفت ان رحى الحجة بعد تمام بعض مباديها ، تدور مداره ، ولا يصير الشيء حجة ولا يطلق عليه الحجة الا بعد جريان هذا الأصل العقلائي ، (والحاصل) ان مجرى هذا الأصل (أصالة التطابق بين الإرادتين) انما هو بعد الفحص لعلمهم بعادة مواليهم من تفرق البيان وتشتته ، ولا فرق في ذلك بين القوانين الإسلامية الغراء وسائر القوانين العقلائية
وبما ذكرنا يتضح لك ان مناط الفحص هو المعرضية لا العلم الإجمالي بل مع عدمه أيضا لو فرض انحلاله كان الفحص واجبا لعدم تمامية الحجية العقلائية (كما اتضح) عدم الفرق بين المقام والأصول العملية ، وان البحث فيهما عن متمم الحجة لا عن مزاحمها ، لأنه كما لا يجري قاعدة العقاب بلا بيان قبل الفحص ، بل لا يتحقق كونه بلا بيان قبله ، لأن التبليغ قد تم من قبل الشارع وعلماء الأمة قد جمعوها في جوامعهم ، فلا عذر في تركه ، (فكذلك) الاحتجاج بالعمومات والمطلقات ، لأنه قبل الفحص لا يمكن الاعتماد على أصالة التطابق التي به تتم الحجة ، (فظهر) ان العمل بها لا يجوز إلّا بعد الفحص حتى يجعل ذلك مقدمة لإجراء الأصل (أصالة التطابق) لتمامية الحجة (فان قلت) ما ذكرت هنا من انه لو لا الفحص لما تم الحجة ، ينافى لما هو المختار عندك في باب التعادل والترجيح ، من ان المطلقات حجة فعلية غير معلقة على المقيدات الواقعية بل هي بعد وصولها من قبيل المزاحم وينقضي بها أمد الحجية ، (قلت) ان البحث هنا حيثي فان الكلام هاهنا في لزوم الفحص ، وقد عرفت عدم حجية عام ولا مطلق الا بعده ،