بشمس اخرى ، مع أنّه معارض بقوله : ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى * إِلَّا ما شاءَ اللهُ﴾(١) .
وروي أنّ قوما من الصّحابة قاموا ليلة ليقرءوا سورة فلم يذكروا منها إلّا البسملة ، فغدوا إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله وأخبروه ، فقال صلىاللهعليهوآله : « تلك سورة رفعت بتلاوتها وأحكامها » (٢) .
وأمّا الآية فيتمكن أن يكون المراد منها أنّ الله حافظ له من تغيير الخلق لا من تغيير نفسه إذا اقتضته الحكمة والمصلحة.
﴿أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فهو قادر على تصريف المكلّف تحت مشيئته وحكمته وحكمه ، لا دافع لما أراد ، ولا مانع لما يختار ، وينزل الخير ، ويختصّ به من يشاء ، وينسخ الحكم ويبدّل الآيات ، ولا يسئل عمّا يفعل.
﴿أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا
نَصِيرٍ (١٠٧)﴾
ثمّ قرّر سعة قدرته وأنّه مراع لصلاح المؤمنين وخيرهم ما هو أنفع بحالهم بقوله : ﴿أَ لَمْ تَعْلَمْ﴾ بنورانيّة قلبك وكمال معرفتك ﴿أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ بالملكيّة الحقيقيّة الإشراقيّة ، له التصرّف فيهما وفيما خلق بينهما تصرّف السّلطان المطلق في مملكته ﴿وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ ومن ما سواه ﴿مِنْ وَلِيٍ﴾ وقيّم بالامور ﴿وَلا نَصِيرٍ﴾ ومعين فهو يقلّبكم بمشيئته ويتصرّف فيكم بإرادته ، فلا ناصر لكم غيره ، ولا قادر في الوجود الّا ذاته.
﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ
بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨)﴾
ثمّ إنّه قيل : لمّا اقترح اليهود على النبيّ صلىاللهعليهوآله أن ينزّل عليهم كتابا من السّماء ، كما حكى الله عنهم في سورة النساء بقوله : ﴿يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ﴾(٣) الآية ، واقترح عليه المشركون وقالوا : ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ
__________________
(١) الأعلى : ٨٧ / ٦ و٧.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ٢٠١.
(٣) النساء : ٤ / ١٥٣.