به ، وكما أنّ سيرتهم قائمة على جواز العمل ، كذلك قائمة على جواز الإخبار بالواقع الذي يكون مؤدّاه.
فإذا أخبر أحد بشأن نزول آية ، أو تفسيرها ، أو تأويلها ، أو بحكم من أحكام الله الواقعية ، ثمّ سئل عن مدرك إخباره ، فأجاب بأنّه ورد خبر معتبر به ، لا يلام عند العقلاء على إخباره ، مع عدم علمه به ، وتؤيّده الرواية في جواز الشّهادة على الملك الواقعيّ بالاستصحاب واليد (١) .
والحاصل : أنّ في الحجج العقلائيّة من خبر الثقة وظواهر الألفاظ وغيرها سيرتين منهم ، إحداهما : على جواز العمل بمؤدّاها على أنّه الواقع. وثانيتهما : على جواز الإخبار بالواقع الذي تكون أمارة عليه.
الطرفة السادسة والعشرون
في دفع توهّم التناقض والتعارض
بين الآيات الكريمة
قد توهّم الجاهلون التناقض في جملة من آيات الكتاب العزيز ، والتعارض بين كثير منها ، مع بداهة أنّ كلامه تعالى منزّه عن ذلك ، قال تعالى : ﴿وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾(٢) وقد تعرّض جمع من العلماء لذكر الآيات الموهمة لذلك ، ولبيان وجه الجمع بينها ودفع التوهّم فيها.
روي عن سعيد بن جبير ، قال : جاء رجل إلى ابن عبّاس رضى الله عنه فقال : رأيت أشياء تختلف عليّ من القرآن. فقال ابن عبّاس : ما هو أشكّ ؟ ! قال : ليس بشكّ ، ولكنّه اختلاف ، قال : هات ما اختلف عليك من ذلك.
قال : أسمع الله يقول : ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾(٣) وقال : ﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً﴾(٤) فقد كتموا. وأسمعه يقول : ﴿فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ﴾(٥) ثمّ قال : ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ*﴾(٦) . وقال : ﴿أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ...﴾ حتّى بلغ ﴿طائِعِينَ﴾(٧) ثمّ قال في الآية الاخرى : ﴿أَمِ السَّماءُ بَناها﴾(٨) ثم قال : ﴿وَالْأَرْضَ
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ٣٣٦ - باب ١٧.
(٢) النساء : ٤ / ٨٢. (٣) الأنعام : ٦ / ٢٣.
(٤) النساء : ٤ / ٤٢.
(٥) المؤمنون : ٢٣ / ١٠١.
(٦) الصافات : ٣٧ / ٢٧ ، الطور : ٥٢ / ٢٥.
(٧) فصلت : ٤١ / ٩ - ١١.
(٨) النازعات : ٧٩ / ٢٧.