وقال : ﴿بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾(١) فأنتم لا يخفى عليكم ، وقد قال الله عزوجل : ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾(٢) .
﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ﴾ إعناتكم وإيقاعكم في المشقّة ﴿لَأَعْنَتَكُمْ﴾ وأوقعكم فيها بتحريم المداخلة والمعاشرة عليكم ، ولم يجوّز لكم المخالطة بهم ﴿إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ﴾ غالب على أمره لا يعجز من الإعنات ﴿حَكِيمٌ﴾ لا يفعل إلّا ما فيه حسن وصلاح من غير حرج.
﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ
أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ
وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ
وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١)﴾
ثمّ أنّه لمّا كان النّكاح مربوطا بإصلاح امور اليتامى كما قال في سورة النساء : ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ﴾(٣) ذكر الله تعالى حكم النّكاح بقوله : ﴿وَلا تَنْكِحُوا﴾ ولا تتزوّجوا النّساء ﴿الْمُشْرِكاتِ﴾ في حال من الحالات ، ووقت من الأوقات ﴿حَتَّى يُؤْمِنَ﴾ بالله.
عن ابن عبّاس : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله بعث مرثد بن أبي مرثد - وكان حليفا لبني هاشم - إلى مكّة ليخرج منها أناسا من المسلمين سرّا ، فعند قدومه جاءته امرأة يقال لها : عناق - خليلة له في الجاهليّة ، أعرضت عنه عند الإسلام - فالتمست الخلوة فعرّفها أنّ الاسلام يمنع من ذلك ، ثمّ وعدها أن يستأذن الرّسول صلىاللهعليهوآله ثمّ يتزوّج بها. فلمّا انصرف إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله عرفه ما جرى من أمر عناق ، وسأله : هل يحلّ له التزويج بها ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤) .
وروي أنّها منسوخة بالنّسبة إلى الكتابيّة - التي هي داخلة في المشركات - بقوله تعالى في المائدة : ﴿وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾(٥) وسورة المائدة كلّها ثابتة غير منسوخ منها شيء (٦) ، وباقية على الحرمة في غيرها.
__________________
(١) القيامة : ٧٥ / ١٤.
(٢) الكافي ٥ : ١٢٩ / ٤.
(٣) النساء : ٤ / ٣.
(٤) تفسير الرازي ٦ : ٥٤.
(٥) المائدة : ٥ / ٥.
(٦) تفسير الرازي ٦ : ٥٨ ، تفسير أبي السعود ١ : ٢٢١ ، تفسير روح البيان ١ : ٣٤٥.