بَعْدَ ذلِكَ دَحاها﴾(١) . وأسمعه يقول : ﴿كانَ اللهُ﴾(٢) ما شأنه يقول : و﴿كانَ اللهُ﴾(٣) .
فقال ابن عبّاس رضى الله عنه : أمّا قوله : ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ فإنّهم لمّا رأوا يوم القيامة أنّ الله يغفر لأهل الإسلام ، ويغفر الذنوب ، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره ، ولا يغفر شركا ، جحده المشركون رجاء أن يغفر لهم ، فقالوا : ﴿وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ فختم الله على افواههم وتكلّمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون فعند ذلك يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا.
وأمّا قوله : ﴿فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ﴾ فإنّه إذا نفخ فى الصّور فصعق من فى السّماوات ومن فى الأرض إلّا من شاء الله ، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، ثمّ نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأقبل بعضهم على بعض يتسألون.
وأمّا قوله : ﴿خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ فإن الأرض خلقت قبل السماء ، وكانت السماء دخانا فسوّاهن سبع سماوات في يومين بعد خلق الأرض.
وأمّا قوله : ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها﴾ يقول : جعل فيها جبلا ، وجعل فيها نهرا ، وجعل فيها شجرا ، وجعل فيها بحورا.
وأمّا قوله : ﴿كانَ اللهُ﴾ فإنّ الله كان ولم يزل كذلك وهو كذلك عزيز حكيم عليم قدير لم يزل كذلك
أقول : الظاهر أنّ المراد من الجواب الآخر أنّ الزّمان ليس بداخل في مفهوم الفعل وضعا ، أو يكون داخلا ، ولكن صار منسلخا من الزّمان هنا بالقرينة القطعيّة.
ثمّ قال : فما اختلف عليك من القرآن فهو يشبه (٤) ما ذكرت لك. وإنّ الله لم ينزل شيئا إلّا وقد أصاب به الّذي أراد ، ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون (٥) .
وعن [ ابن ] أبي مليكه قال : سأل رجل ابن عبّاس رضى الله عنه عن ﴿فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾(٦) وقوله تعالى : ﴿فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾(٧) فقال ابن عبّاس : هما يومان ذكرهما الله في كتابة ، الله أعلم بهما (٨) .
__________________
(١) النازعات : ٧٩ / ٣٠.
(٢ و٣) . آل عمران : ٣ / ١٧٩.
(٤) في النسخة : يشبهها.
(٥) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٨٨.
(٦) السجدة : ٣٢ / ٥.
(٧) المعارج : ٧٠ / ٤.
(٨) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٩٣.