المشركين ، ليخذلهم بالرّعب ، فكان التّقليل والتّكثير في حالين مختلفين ، وكان أبلغ في القدرة وإظهار الآية (١) .
روي عن سعد بن أوس أنّه قال : أسر المشركون رجلا من المسلمين ، فسألوه : كم كنتم ؟ قال : ثلاثمائة وبضعة عشر. قالوا : ما كنّا نراكم إلّا تضعفون علينا (٢) .
ويحتمل أن يكون المراد أنّ الله قلّل المشركين في آعين المسلمين حتّى رأوا أنفسهم مثلي المشركين ، ويمكن كون تكثير المسلمين في نظرهم أو في نظر المشركين بدخول الملائكة فيهم ، أو بالتّصرّف في القوّة الواهمة.
في بيان معجزات النبي صلىاللهعليهوآله في وقعة بدر
ثمّ اعلم أنّه كانت في تلك الواقعة آيات كثيرة ، ومعجزات عديدة ظاهرة.
منها : إخبار النبيّ صلىاللهعليهوآله أصحابه بنصرتهم على قريش قبل الواقعة.
ومنها : التّقليل والتّكثير اللّذان حكاهما الله تعالى في هذه الآية وفي سورة الأنفال.
ومنها : إخباره صلىاللهعليهوآله قبل القتال بأنّ هنا مصرع فلان ، وهنا مصرع فلان ، فلمّا أنقضت الوقعة رأوا ما وقع مطابقا لما أخبر به.
ومنها : تأييد الله تعالى المسلمين بألف من الملائكة مردفين (٣) روي أنّه كان سيماء الملائكة أنّه كان على أذناب خيولهم ونواصيها صوف أبيض (٤) .
﴿وَاللهُ يُؤَيِّدُ﴾ ويقوّي ﴿بِنَصْرِهِ﴾ وعونه ، بلا توسيط الأسباب العاديّة ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ نصره من عباده ، كما أيّد أصحاب بدر بالملائكة ، وأيّد الرّسول والمؤمنين على الكفّار بالحجج البالغة ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من إراءة الجمع القليل كثيرا ﴿لَعِبْرَةً﴾ عظيمة وموعظة وهداية ظاهرة كائنة ﴿لِأُولِي الْأَبْصارِ﴾ الصّحيحة ، وذوي البصائر النّافذة ، والعقول السّليمة.
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا
وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤)﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ٨.
(٢) تفسير أبي السعود ٢ : ١٣ ، تفسير روح البيان ٢ : ٨.
(٣) كما في سورة الأنفال : ٨ / ٩.
(٤) تفسير الرازي ٧ : ١٩٠.