ثمّ أنّه تعالى - بعد بيان آية التّوحيد والنّبوّة الظّاهرة في قضيّة بدر والتّنبيه على لزوم اعتبار ذوي الأبصار بها - بيّن علّة عمى القلوب وعدم تأثّرها بها بقوله : ﴿زُيِّنَ﴾ وحسّن بوساوس الشّيطان واقتضاء الطّبيعة ﴿لِلنَّاسِ﴾ نوعا ﴿حُبُّ الشَّهَواتِ﴾ وتعلّق القلوب بالنّفسانيّات والمستلذّات.
وفي التّعبير عنها بالشّهوات دون المشتهيات إيذان بأنّهم من شدّة حبّها ، كأنّهم يحبّون شهوتها ، وإشعار بغاية رذالتها ، لوضوح أنّ الشّهوة من صفات البهائم.
وتزيّن حبّها بحسبانهم أنّ حبّها مقتضى العقل وكمال النّفس ، ولذا يلومون المعرض عنها وينسبونه إلى السّفه ، مع وضوح أنّ حبّها لا يكون إلّا من ضعف العقل وغلبة الحيوانيّة وفقد البصيرة بحقائقها.
ثمّ فصّل سبحانه عمد المشتهيات بأنّها ﴿مِنَ﴾ قبيل جنس ﴿النِّساءِ﴾ اللّاتي لعرافتهنّ في معنى الشّهوة عددن من حبائل الشّيطان ، وقدّمن في الذّكر.
ثمّ اردفن بقوله : ﴿وَالْبَنِينَ﴾ الّذين هم من أعظم الفتن ، كما قيل : أولادنا فتنة ، إن عاشوا فتنونا ، وإن ماتوا أحزنونا (١) .
وتخصيص البنين بالذّكر من بين الأولاد ، لكون حبّهم - من جهة السّرور والتّكثّر - أكثر من حبّ البنات ، بل كان العرب يكرهونهنّ ، كما قال تعالى : ﴿وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾(٢) .
والافتتان بهم يشغل القلب بهم عن ذكر الله ، والاهتمام بحفظ خاطرهم بالتّعرّض لمعصيته ، والحرص على جمع الأموال لهم من الحلال أو الحرام ، ولذا عقّب ذكرهم بقوله : ﴿وَالْقَناطِيرِ﴾ وهو جمع قنطار.
روي عن الباقر والصادق عليهماالسلام : « أنّه (٣) ملء مسك ثور من الذّهب » (٤) ، وقيل : مائة ألف دينار. وقيل : ثمانون ألف. وقيل : سبعون ألف : وقيل : أربعون ألف مثقال من الذّهب. وقيل : ألف ومائتا مثقال. وقيل : ألفا دينار (٥) . وقيل : ألف. وقيل : أثنا عشر ألف درهم (٦) . وعلى أي تقدير هي كناية عن المال الكثير.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ١٠.
(٢) النحل : ١٦ / ٥٨.
(٣) أي القنطار.
(٤) مجمع البيان ٢ : ٧١٢ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٨.
(٥) تفسير أبي السعود ٢ : ١٤.
(٦) تفسير الرازي ٧ : ١٩٦.